عزيزي رئيس التحرير
خبر صحفي نزل علينا كالصاعقة مفاده أن (أرامكو توقف بناء المدارس في عام 2005م) هل صحيح ما قرأنا ام هو (خطأ مطبعي)؟
نحن محسودون على ما نحن فيه من نعم - لا حصر لها - ومنها اننا في كل يوم (نفقد اميا) حيث تقول التقارير الواردة من باحثين في (الدول المتقدمة) ان نسبة الامية لدينا 52% مما يعني اننا تجاوزنا الجهل بمقدار النصف. وهذا كله بفضل من الله عز وجل ثم بفضل الحكومةالرشيدة والشركة العملاقة (ارامكو السعودية).
نشرت مجموعة من الباحثين العرب والعارفين في الشأن العربي برعاية الامم المتحدة تقريرا مفاده ان نسبة الاستثمار في الابحاث في البلاد العربية اقل من 4ر0% من اجمالي الناتج القومي مقابل 35ر2% في الدولة العبرية و9ر2 في اليابان.
اذن كيف لنا ان نستوعب خبرا محبطا كالذي اتخذته (ارامكو السعودية)؟ ليعود بنا الى الوراء خمسين سنة!! كيف لنا ان نقول للجيل النابض بالحيوية لجيل البنين والبنات ان المدارس التعليمية سيتوقف بناؤها؟ كيف نشرح موقفا كهذا ؟ انها مأساة.
نظرة سريعة على البيانات التي تنشرها صحف (الدول المتقدمة) فيما يخص الدعم المقدم للمشتغلين في البحث العلمي, بين ان هذه الدول تنفق ما بين 2 الى 4 % من اجمالي ناتجها المحلي على البحث العلمي, تشجيعا منها لاولئك الباحثين وحثهم على العطاء والبذل في سبيل الوصول للهدف الذي يعملون من اجله.
نحن نعلم علم اليقين ان حكومة خادم الحرمين الشريفين حريصة كل الحرص وتبذل بسخاء ودون تردد الغالي والرخيص للعاملين في مجال البحث العلمي ونعلم ايضا انها تشجع الكتاب والمؤلفين من خلال قنوات متعددة منها على سبيل المثال, الجامعات والكليات والمعاهد العلمية والنوادي الادبية والجمعيات الثقافية.
هل يعقل ان تتخذ ارامكو السعودية خطوة كهذه؟ ان تعطل العقل السعودي وبهذه الطريقة؟ ان توقف المدد المعرفي والعلمي والتاريخي وان تعلن على رؤوس الاشهاد ان (لا تعليم بعد العام 2005م)!! وهي السباقة دائما لدعم البحث العلمي, والدليل ان لها في كل جامعة من جامعاتنا الثماني بصمة نعتز بها.
بالامس القريب ازيح الستار عن (نصب حجر الاساس) لمركز بحوث متخصص في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن, يأتي هذا المركز كنواة لما يسمى مجمع ابحاث علمية SCIENCE PARK متخصص في بحوث مكامن النفط الجيرية في المنطقة الشرقية بقي ان نذكر ان الجهة الممولة والداعمة لهذا الصرح العلمي هي احدى الشركات العاملة في المملكة منذ سنوات والتي ساهمت وتساهم ببناء مثل هذه المعاهد في معظم الجامعات في دول العالم المختلفة والتي يصل عددها الى 40 جامعة.
ومنذ فترة ليست بالقصيرة تم افتتاح كراسي في الجامعات ومراكز ابحاث متخصصة سواء في الشأن البترولي او في الصناعات قامت به وبجدارة شركتي سابك وارامكو اضافة الى المراكز التي تظهر بين فترة واخرى في معظم جامعاتنا وبعض مصانعنا.
الا انني اجد صعوبة في فهم ما يدور في فلك بعض القطاعات ومنها (القطاع الخاص) الذي يملك مقومات التشجيع للبحث العلمي سواء على المستوى الاكاديمي او المادي فكلاهما مكمل للآخر ولنأخذ مثلا (قطاع البنوك) وهو القطاع المفروض فيه تخصيص نسبة ثابتة من ارباحه السنوية للبحوث العملية.
يتبادر للذهن ان المتربعين على رأس الهرم في شركتنا العملاقة (ارامكو السعودية) نسوا انهم مسؤولون امام الله جل شأنه وامام ابناء هذا البلد وعليهم اقناع اعضاء مجلس الادارة والمستشارين ممن يملكون القرار وغيرهم من المديرين التنفيذيين بالمشاركة الفعالة في دعم البحوث العلمية وتخصيص لجان مهمتها متابعة البحوث العلمية وما ينجم عنها من براءات اختراع او توصيات ذات صلة بالقطاعات الخاصة من تنمية للموارد او تنمية الوعي البيئي والحفاظ على كوكبنا من التلوث الى آخر البحوث التي تعمل من اجل تثقيف الفرد نحو حياة افضل.
ما المطلوب اذن من الجميع ان يفعله في رأيي المتواضع، المطلوب التعاون فيما بين القطاعات ونبذ الخلافات والعمل بروح الفريق, والمطلوب ايضا التخطيط السليم والتنسيق والتفاهم بين تلك القطاعات ووضع آلية مشتركة للعمل بها دون ازدواجية او انفرادية من شأنها تشتيت الجهود وضياع الهدف.
مما لاشك فيه انه توجد لدينا شركات ومؤسسات لديها الكادر البشري العلمي والعملي لكن ينقصها الدعم المعنوي اولا ثم المادي ثانيا وبالمقابل نجد ان بعض تلك المؤسسات تملك ما يفيض عن حاجتها الفعلية من اموال ومخصصات لكنها تفتقر للقوى البشرية, اذن والحالة هذه تتبين لنا الحاجة الماسة للتعاون والتنيسق فيما بين هاتين الحالتين وما احوجنا الى التدخل السريع لتفعيل دور تلك المؤسسات وحثها على التعاون فيما بينها والوصول الى تفاهم دائم يلغي جميع العقبات التي قد تطرأ مستقبلا للحد من ضياع كثير من الفرص التي تتبخر دون فائدة للوطن.
ان من المؤسف له ان تجمد طموحات العاملين في مجال البحث العلمي وان يتركوا دون اكتراث لآمالهم واحلامهم, من المؤلم حقا ان نرى بعضهم يولي الادبار خارج الحدود ليبحث عمن يتفهم رغبته ويلبي طلبه, يجب الا نغفل عن اولئك النوادر من الموهوبين, يجب ان نحتضنهم ونذلل جميع العقبات التي تعترض طريقهم, يجب ان نساندهم بكل ما اوتينا من قوة حتى لو تطلب الامر تخصيص بند منفصل بالميزانية العامة للدولة.
المفروض فينا - كمجتمع نام - الا نثبط عزائم الباحين وهممهم فهم نواة وخطوة اساسية من اجل بناء نمط الحياة الجديد, فهم ممن يجاهد في سبيل الوصول الى الطريق السليم نحو تجديد اطر التعامل مع الطرف الآخر من العالم المتحضر, يجب احتواء كل ما يطرحونه وفق احتياجات المملكة, يجب دراسة كل البحوث المقدمة من الباحثين وبشكل موضوعي بعيدا عن الفوقية التي افرزت الكثير من المغالطات مما سبب لنا فجوة وبونا شاسعا ظللنا نعاني منه حقبة من الزمن ان العمل على (وقف) بناء صرح تعليمي للنشء بمثابة قطع بل بتر لتعليم من اساسه وتحوير منهجية التعليم من مزية التقدم الى مناخ التأخر والرجوع الى الوراء.
ان موقفا كهذا يعتبر معول هدم لجيل كامل. اذن كيف لنا ان نشد من عضد باحثينا وطلاب العلم ممن ينشدون الدعم والتشجيع. ان الباحث شخص يتصف بالجد في عمله والاجتهاد في مبتكراته ولن يهدأ له بال حتى يصل الى مبتغاه, وهذا ديدن العاملين في مجال البحث العلمي, يظل العامل منهم منهمكا طوال اليوم او ربما طوال السنة منكبا على عمله من اجل تأكيد نظرية ما او اثبات نقطة معينة في موضوع ما. ان مثل هؤلاء يستحقون منا التكريم, وان اغفلناهم او تغافلنا عنهم فانهم قد ينصرفوا عن العلم بأكمله ويركنوا للكسل واللامبالاة وربما يتجهون غربا نتيجة الاحباط الذي وجدوه منا, وليس اسهل على المرء من هدم ما بني في سنة وفي فورة الغضب خلال ثوان كاشعال عود كبريت في بحث متكامل.
لانستطيع بل لا نتصور ان يصدر قرار وبهذه الجرأة, يقوض العملية التعليمية ويحد من انتشارها, لايمكن قبول مثل هذا الفعل من شركة عملاقة بل صرح شامخ من صروح صناعة الرجال منذ نصف قرن وهي تخرج الالاف معززين بالخبرات النادرة بدليل ان متقاعدي ارامكو بمثابة مستشارين في كثير من القطاعات الخاصة والعامة.
املي كأب ويشاركني جميع الآباء والامهات دون استثناء في ان تستمر عطاءات (ارامكو السعودية) كما عهدناها منذ تأسيسها قبل نصف قرن في دعم التعليم بكل قطاعاته فهي النبع المتدفق الذي لا ينضب وان ارامكو اهل لاحتواء هذا النبع المعطاء ابد الدهر.
عبدالعزيز المشرف