رغم تطور وسائل الاتصال، بعد ظهور الإنترنت وقبله التلفاز وانتشار الصحف على نطاق واسع، ألا ان هناك شريحة واسعة من الناس لا زالت آذانها معلقة بترددات الإذاعات وأصوات مذيعيها، وتكاد تكون أسماؤهم مرادفة لأسماء تلك الإذاعات، التي يتواصلون معها يومياً وفي أغلب البرامج التي يتاح للمستمع المشاركة فيها.
حتى ليعتقد المستمع لتلك البرامج ان أولئك المتصلين هم من مذيعي أو مقدمي أو مراسلي تلك البرامج، لكثرة ما تتردد أسماؤهم فيها، وأصبحت مشاركاتهم تنتظر، وغالباً ما تكون تلك المشاركات اقتراحات وآراء هادفة.
وفي الأحساء هناك عدد من هؤلاء، الذين التقت بهم "اليوم" واستطلعت آراءهم حول هذا الارتباط بالإذاعات، فكان هذا الاستطلاع:
غترة المدير وعقاله
بدأت علاقة عبدالله القنبر بالإذاعة حينما كان في الصف الثاني الابتدائي، حين وقف لأول مرة ليقدم نصاً إذاعياً في إذاعة المدرسة في الطابور الصباحي، وهو لا زال يتذكر عنوانها (الصياد والسمكة)، يقول: كان بجواري مدير المدرسة عبدالمحسن المديرس، وكنت مرتبكاً جداً، فشعر المدير بذلك، فما كان منه الا ان خلع العقال والغترة ووضعها على رأسي، ليشعرني بأنني كبير، وليزرع الثقة في نفسي، وهذا ما حدث بالفعل، فلقد ذهب عني التعلثم، وأنا أدين له بهذا الجميل إلى اليوم، فمنذ ذلك اليوم عشقت الميكرفون والإذاعة.
وعن تطور علاقته بالميكرفون حتى وصلت إلى الإذاعة، يقول: بعد المدرسة بدأت أشعر بالاحتياج إلى وسيلة أعبر بها عن نفسي، فاتجهت إلى الإذاعة، حيث كنت أراسل بعضها بريدياً، وتذاع بعض تلك الرسائل، وكنت أشعر بالفخر حين يذكر اسم الأحساء.. وكلما زادت مشاركاتي التي أرسلها زاد تعلقي بالإذاعة، وكذلك زاد إنتاجي ومتابعتي لعدد من المحطات.
ويبدي القنبر اعتزازه بمشاركاته في البرامج التي تبث على الهواء عبر إذاعة قطر، وتحديداً تلك التي كان يقدمها المذيع عبدالعزيز محمد الذي كان يستقبل مشاركات القنبر بترحيب حار ورحابة صدر، يقول: كنت أرسل لهم النصائح العامة والنكات، وقد تسبب ذلك في ان يشن أحد المتصلين هجوماً عليّ، وفي المقابل كان هناك من يدافع عني في الإذاعة، وأتذكر ان إحدى الرسائل كانت تقول: ان عبدالله القنبر إعلامي ويفهم ماذا يقول وماذا يقدم؟
فاتورة ضعف راتبي
ليس كل ما في هذه العلاقة جميل فهناك بعض المنغصات، والمتمثلة في فاتورة الهاتف، يقول القنبر: كانت في بعض الأحيان تصل إلى 7 آلاف ريال، مع ان راتبي لم يكن يتجاوز 3 آلاف ريال، ومع ذلك لم أكن اهتم بالفاتورة، قدر اهتمامي بإسعاد المستمع وتحقيق وإشباع رغبتي في المشاركة. بالإضافة إلى التعبير عن آرائي بكل حرية، واكتساب العديد من الصداقات في أماكن متفرقة يصلها بث الإذاعات التي أشارك فيها، وأنا أتواصل معهم بالنقاش عبر الإذاعة أو بريدياً أو هاتفياً، وهذا جعلني أشعر بحجم المسئولية التي يجب ان أحافظ عليها، حتى أحافظ على الثقة التي منحت لي، كما زادت معارفي وثقافتي بسبب المتابعات.
ولم تقتصر مشاركات القنبر على إذاعة قطر، بل تعدتها إلى البحرين، يقول: كانت إذاعة البحرين تقدم برامج مشاركات ولكنه مسجل، بحيث ان المشارك يتصل بالإذاعة وتسجل مكالمته، وحين لا تكون بالمستوى المطلوب يعاد تسجيل المشاركة، والحمد لله لم يعد تسجيل أي من مشاركاتي، لأنني كنت متمكنا منها.
كما كانت للقنبر مشاركات في إذاعة المملكة، خصوصاً في برامج المسابقات، حيث كان يشارك وفاز في إحدى المرات بـ 300 ريال. وبالإضافة إلى ذلك شارك أيضاً في بعض برامج إذاعة الإمارات، وحتى بعض المحطات الفضائية، مثل ما يطلبه المشاهدون، وبعض البرامج الحوارية والأدبية والاجتماعية والفنية.
ومن المواقف المحرجة التي تعرض لها القنبر يقول: كانت إحدى الإذاعات تفرد مساحة أكبر لمشاركاتي، فاتصل أحد المشاركين وقال أنه لن يشارك في البرنامج لمدة عام احتجاجاً على ذلك.
تكريم الوزير وحب الناس
علي البحراني صديق آخر للإذاعة، بدأت علاقته بالإذاعة مستمعاً ثم متابعاً حريصاً على البرامج التي تبث فيها مشاركات المستمعين.. يقول: كنت استمتع بذلك كثيراً، ومع مرور الوقت تعلقت بالإذاعة وأحببت ان تكون لي مشاركاتي الخاصة، ومنذ اليوم الأول الذي بثتت فيه أول مشاركة ليّ إلى اليوم لم تنقطع مشاركاتي مطلقاً.
وكالقنبر يواجه البحراني مشكلة الفواتير الباهظة بسبب اتصالاته ومشاركاته، ولكنه مصر على التضحية من أجل هوايته المفضلة. فهو يرى ان الفائدة ليست مادية على الإطلاق، ولكنها معنوية.. يقول: نحن نكتسب حب الناس وصداقتهم وكذلك المعرفة والثقافة وتنمية الثقة بالنفس. وبهذه المناسبة فلقد كُرمت من قبل وزير الإعلام القطري، وهذا وسام كبير أحمله على صدري واعتز به، ويكفيني حب الناس وسؤال أحدهم عندما يلتقيني عن مشاركاتي، فهذا شيء يسعد الإنسان ويثلج الصدر.
ويرتبط البحراني بعلاقة خاصة بإذاعة قطر، وببرامجها الشهيرة مثل الواحدة والنصف ولقاء الظهيرة ومشوار الظهيرة. وقد كتب قصيدة عن قطر نالت الاستحسان اتصل به بعض القطريين طالبين السماح لهم بتلحينها وغنائها.. يقول: غناها الفنان راشد النعيمي، وهذا شرف كبير لي ان تكون لمشاركاتي هذا الصدى الطيب.
البرامج الحوارية
تعود علاقة عبدالعزيز الرواجح بالإذاعة إلى 15 عاماً، يقول: أحب المشاركة في البرامج الحوارية، التي أستطيع من خلالها التعبير عما يختلج في نفسي وطرح القضايا والمشاركة في إيجاد الحلول والاقتراحات لبعض المشكلات، وهذا ينمي الثقة والمسئولية لدى الإنسان. ويتذكر أنه في إحدى المرات أثناء سفره عبر مطار الملك فهد الدولي بالدمام نودي على اسمه عن طريق الميكرفون، وحينما انتهيت فوجئت بمجموعة من الشباب يلتفون حولي ليسألوا عن مشاركاتي في الإذاعة، وكنت فخوراً بذلك، فأنا أعتبر نفسي سفير للأحساء وأحرص على رفع اسمها عالياً.
وكالآخرين لا يهتم الرواجح بفاتورة الهاتف، التي تصل في بعض الأحيان إلى 1500 ريال، يقول: تكفيني المساحة التي تمنح لي للتعبير عن رأيي. والحمد لله كانت مشاركاتي تحظى بالتقدير والاحترام، وقد كرمت في قطر بسبب تلك المشاركات.
بين الصحف والتلفزيون
ويضع خالد الجريان المشاركة عبر الإذاعة في المنتصف بين التلفزيون والصحافة.. يقول: المشاركة في التلفاز يظهر فيها الشخص بوضوح، صورته وصوته وشخصيته، أما في الصحافة، فلا يظهر الا ما يكتبه المرء، واسمه الذي قد لا يكون صحيحاً، أما في الإذاعة فيظهر الاسم والصوت. والمشاركة في الإذاعة لها طعم خاص جداً، والثقة بالنفس التي يكتسبها المشارك تدفعه للحصول على المزيد من هذه الثقة عبر المشاركة مرة أخرى. فيدفعه هذا للبحث في الكتب ووسائل التثقيف والمطالعة فتزيد حصيلته العلمية والثقافية.
ومما يدفع المرء نحو مزيد من المشاركة في الإذاعات ـ حسب الجريان ـ تشجيع الإذاعات الخليجية للمستمعين للاتصال والمشاركة.
تكرار وتشابه
عبدالله الخضير أحد الذين يرتبطون بعلاقة خاصة مع الإذاعة، يرى أنه رغم ان هناك ضعفا وتدنيا في الإقبال على الاستماع للإذاعات الا ان الإذاعة مهمة في حياة الإنسان، ولا يمكن الاستغناء عنها.. ولكنه يقول: الإذاعات منها الهادف ومنها المكرر والمتشابه، ومنها مجرد ثرثرة دون فائدة. وأنا أطالب ان تكون الإذاعة ذات مضمون وهدف محدد وتوجيه المناقشات والحوارات على مستوى الأعمار المختلفة ومراعاة الفروق الثقافية بين المستمعين، كما أتمنى ان تلعب الإذاعات دور التقريب بين الشعوب وعدم بث الأفكار المسمومة، التي تحدث خللاً في فكر وذهن المستمع، الذي من المفترض ان لا تسبب له الإذاعة الملل وان لا تمارس معه التسطيح الفكري. كما يجب ان تكون تلك الإذاعات شاملة (دينية، ثقافية، اجتماعية، رياضية وفنية).
ويعتقد الخضير ان سبب عقم وعدم وجود هوية لبعض المشاركات الإذاعية عدم رسم رؤية حول المشاركة أو المداخلة، فبعضهم يكثر من الإطالة والإسفاف، وآخرون يبتعدون أحياناً عن مضمون الموضوع، أو يتعمدون إحراج المحاور والإساءة للضيوف، أو عدم استخدام اللغة الراقية للمداخلة، مما يجعل الخطاب الإذاعي محليا ولا إقليميا. فالمشاركة أو المداخلة ـ من وجهة نظر الخضير ـ هي لعرض وجهة نظر شخصية أو التحاور مع أصحاب الفكر والأدب من أجل الفائدة، أو لتبادل الخبرات والتواصل الفكري والثقافي مع الآخرين. ويبدي الخضير استغرابه من بعض المشاركين إذاعياً، يقول: بعضهم لا يحسن أو لا يدرك معنى المشاركة الإذاعية، وبعضهم ينسى أنه على الهواء مباشرة، وان هناك الكثير من الناس يستمعون إليه، فيثرثر ثرثرة مقيتة مع المذيع ويتبادل السلامات والإهداءات مع المذيعين والمستمعين وطلب الأغاني بطريقة مخجلة ومهينة للشخص وللناس الذين ينتمي إليهم.