طرحت الحلقة السابقة السؤال: ما الذي يسير الانسان في سلوكه الذهني والعملي.. هل هو العقل ام العاطفة؟ الفكر او التقليد؟ الاستقامة ام الهوى؟ وكان الجواب هو ان الهوى، او الميول الباطنية للانسان هي الاقوى في التأثير على سلوكه، اما العقل فيأتي في مرحلة متأخرة، هذا اذا لم نلتفت الى رأي بعض العلماء الاجتماعيين الذي يعتبرالعقل مجرد اداة للتبرير.
لقد عرفنا قوة سيطرة (الهوى) على الانسان، والذي عبرت الاية الكريمة عن قوته بانه مثل الاله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) والآن نريد ان نعرف من هو اخوه. في نظري ان الاخ الشقيق للهوى هو التقليد.. فالتقليد هو اخذ الاقوال والاراء والنظريات.. بدون تساؤل او تمحيص انه خضوع مطلق، او استسلام اعمى لما يقترحه الغير. ومعنى هذا الغاء اي حركة ذهنية ذاتية، وتعطيل لأية قدرة نقدية، او حتى (اختياريه) عند الشخص المقلد، في حين ان الاختيار هو الفاصل بين الانسان السوي وبين غيره.
هل هناك فرق بين الهوى وبين التقليد؟
قد يظن ان هناك فرقا، وهو ان الهوى ينبع من داخل الانسان، اما التقليد فيأتي من خارج الانسان, ولكن هذا الظن بعيد عن الصواب، فالهوى والتقليد كلاهما ينبعان من الداخل: فالهوى ينبع من ميول الانسان، والتقليد ينبع من انبهاره بالآخر، وعجزه او تخيل عجزه عن الخروج من تأثيره. في الجزء الثاني من اعلام الموقعين لابن القيم حشد من الاراء استغرق (91) صفحة، مع التقليد. وضده، والذي يستشفه القارئ من العرض هو ان ابن القيم ضد التقليد. ان التقليد ضروري في مرحلة نمو الانسان الاولى، ولكنه حين يستمر يصبح شللا فكريا وعجزا عن التمييز، ووقوعا في بئر لا ماء فيها. والتقليد كما يكون سلوكا فرديا، يكون سلوكا جماعيا تقع فيه بعض الامم المغلوبة على امرها وقد كانت هذه الظاهرة من اوضح ما وصل اليه ابن خلدون، والتي تتلخص في ان المغلوب يقلد دائما الغالب.