كنت ولا ازال على قناعة بان لعنة الطفرة الاقتصادية التي قلبت حال المجتمع بكل مافيه من معايير تقريبا، واربكت حسابات النمو الاجتماعي المحلي في ظل غياب التفكير المؤسسي للجهات المعنية بالتنمية كوزارتي الشؤون الاجتماعية والتخطيط، هي من افرز التباعد الاجتماعي والتآكل في علاقاتنا الاولية عمليا، ومن جانب اخر كرست في رؤوسنا كسعوديين اننا شعب نفطي حتى العظم لا مكان للفقر والعوز ومشكلات النمو التي تحضرها عمليات التغيير الاجتماعي فيه. اقول ذلك، وفي ذهني موقف مؤسسات الدولة الرسمية كالاعلام والتخطيط والشؤون الاجتماعية والتي كانت حتى عهد قريب تتوجس خيفة من الاشارة او الحكي على مسألة الفقر او النبش فيها بحثيا او صحافيا الا فيما ندر باجتهادات مسؤولة من بعض قيادات العمل الصحافي في بلادنا، ولعلي عندما اقول لعنة الطفرة فانا اقصد تحديدا اننا كاعلاميين وقياديين في المؤسسات الاجتماعية هنا نحاول كما يقال تغطية عين الشمس بغربال واقناع حواسنا ورؤوسنا بأن المسألة استثناء ولا حكم لها او عليها، في الوقت الذي نعرض فيه عن قرب ومن واقع يومياتنا حالات فقر لا يصدقها عقل كتلك التي عرضها التليفزيون السعودي خلال زيارة لسمو سيدي ولي العهد ـ اعزه الله ـ قبل ايام من هذا الشهر الكريم.. مسألة الفقر للاسف طالتها لعنة الطفرة في الداخل والخارج للدرجة التي كنا نعتقد كمواطنين ومسؤولين انها ورقة خطرة جدا قد تضر بمصالحنا وحساباتنا خارج الحدود.. وهذه المانيا وامريكا وفرنسا وبريطانيا (او دعوني اقول السبع الكبار باستثناء اليابان) الغنية جدا والتي تدير ثلاثة ارباع الاقتصاد العالمي تتواجد فيها مظاهر تشرد وافتراش للطرقات وبشر يعيشون تحت الانفاق وفي المجاري (اكرمكم الله) وكأنك في عالم ثالث بكل مافي الكلمة من معنى داخل دول الغنى الفاحش والاقتصادات المهولة.. ومع هذا لا احد يستنكف من رؤساء الحكومات او جمعيات النفع العام من الاعتراف بالارقام وبحدود الفقر واحجام الظاهرة بل والوعود بمزيد من الرعاية الاجتماعية، اما نحن فيا سبحان الله تعالى على مدى عقود على مسألة تبدو بكل مقاييس النمو في المجتمعات عادية بل وطبيعية. وغدا نكمل.