هناك البعض لايريدون ان يشعروا بان ماضيهم قد ذهب هدرا.. وانهم قد مارسوا اعمالا كبيرة واتقنوا ادوارهم.. وان امجادهم الصغيرة لن تنسى.. وهم مثابرون على تذكر تلك الايام الخوالي بتلذذ وزهو لا حدود له.. وكأنما الدنيا قد توقفت عند حدود منجزاتهم الخالدة التي لن تأتي الايام باحسن منها وغالبا لا يرون فوق هذه الارض غيرهم!! وهم لا يريدون اطلاقا الاعتراف بان الشمس التي تأتي كل صباح ومعها جهد الرجال.. وعرقهم وعملهم الدؤوب لن تتوقف اطلاقا وان اهمية الماضي لا تزداد تألقا وثباتا وخلودا الا بمنجزات الحاضر واثره في حياة الناس.. وهذا الجنون بالقديم يعيق صاحبه عن رؤية الجديد او التعلق به.. ويتحول ذلك العشق بالماضي الى هوس وايثار الذات.. والحكماء من الرجال لا يكتفون بالتطلع الى المرآة والافتتان بسحنهم.. انهم يرون ايضا وجوه الناس ويشغلون بها.. ويأخذهم عمق تلك الانهار المتدفقة حزنا في عيون البشر ولهذا يصبح الحزن العظيم درسا الزاميا ينبغي علينا فهمه وادراكه.. دونما حاجة الى سياط الزمن لتذكيرنا بواجباتنا تجاه انفسنا ومجتمعنا. ان اكتشافنا.. لعلو هاماتنا في زمن مضى لا يمكن ان يعيق نمونا في الحاضر ولا ينبغي ان نشغل به الى حد الوله.. فالارض بكل مواليدها واحداثها وامجادها وعلومها وعقول رجالها لم تعقم بعد. ولا احسب ان الدنيا هذه تتوقف برحيل احدنا، ان لكل منا دورا يؤديه ويرحل حيا او ميتا. ويأتي دور من بعده وهكذا ولست هنا بصدد ان اشرح امورا مألوفة ومعروفة لنا جميعا.. ولكني اود ان اقول باختصار ـ اننا نتجدد دائما وان احداثا عظيمة سيأتي بها الغد.. وآن السماوات السبع لا تزال فوق رؤوسنا.. وان الاحزان والامل معا لايزالان ملء صدورنا.. وان النظم والقوانين لابد وان تتغير وفقا لمتطلبات عصرنا.. وان عقولا اجهدت وتعبت وادت دورها وان لها ان ترتاح لتترك لعقول وسواعد اخرى اداء رسالتها ودورها.. واننا بهذا لا نرسخ فهما جديدا للحياة.. وانما ذلك هو شأن الحياة والاحياء.. وينبغي ان لانشغل بما تم انجازه.. ولكن ينبغي ان نشغل بما سوف ينجز في الغد.. وهذا هو المهم. ولا ازيد.