اليوم هو عيد الفطر السعيد. عيد الفطر المبارك يجسد باسمه ومعناه حافزا كبيرا لنوازع الانسان الفطرية والمكتسبة نحو فعل الخير. فعل الخير مثله مثل افعال الانسان الاخرى تطور واتسعت مجالاته وتغيرت اساليبه وآلياته صحيح ان الافراد لا يزالون يمثلون العامل الحيوي في شبكة المؤسسات الخيرية على مستوى الدعم والاداء, الا ان مقتضيات العصر من حيث الادارة والاهداف قد تطورت لمصلحة جوهر وفعالية الدعوة لفعل الخير.
ان العيد بمظاهره الجماعية ومشاعر المحبة والتعاضد التي تتخلل ايامه الجميلة هو تجسيد بالغ المعنى لاسلوب متقدم لفعل الخير. من هنا بادرت الحكومات منذ القدم على توسيع المفهوم واعداد الخطط والبرامج الآنية والمستقبلية لتحقيق اهدافه النبيلة, في هذا الاتجاه وبهذا المعنى يأتي عيد الفطر هذا العام متزامنا مع حدثين بارزين يقف وراءهما رجلا دولة يملكان الادارة السياسية والنوايا النبيلة والامكانيات العملية ويواجهان نفس المهمة التاريخية (القضاء على الفقر). في الرياض الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وفي برازيليا لويس داسلفا - الرئيس المنتخب مؤخرا. هناك يعاني 50 مليون برازيلي منهم 30 مليونا يتألمون من الجوع من 172 مليونا هم سكان البرازيل البلد الذي يمثل اقتصاده ثاني اقتصاد في العالم.
هنا في ثاني بلد منتج للبترول في العالم يعلن سمو الأمير عبدالله خطته الشجاعة للقضاء على الفقر. البلدان يملكان ثروات هائلة ومشاكل اقتصادية جمة ليس اقلها الديون الخارجية والعجز في الميزانيات, والالتزامات المالية والسياسية. لكن في البلدين رجلان على رأس الادارة السياسية لا تنقصهما لا الرغبة ولا الامكانيات. (انه مفعول لولا - لويس - في البرازيل) كما يقول المغني البرازيلي الشهير كيتانو فلوسو. و(مفعول عبدالله في السعودية) كما يقول كلود لوريو مسئول قسم الشرق الاوسط في جريدة (الفيجارو) الفرنسية في 2002/11/22م. ان يكون هناك فقر في بلادنا فذلك محزن لكنه ليس عيبا المهم هو الاعتراف والمباشرة في معالجة الظاهرة المؤلمة. اما العراقيل فلا احد ينكر وجودها بل وصعوبتها. فبالرغم من ان لويس داسلفا يساري التفكير الا انه ملتزم بالنهج الاقتصادي السائد (اقتصاد السوق), وقد اعلن عن التزاماته بكل الانفاقات الاقتصادية الموقعة من الحكومات السابقة وهذا ما سيفرض عليه العديد من الصعوبات في (تدبير) الاعتمادات اللازمة لخطته للقضاء على الفقر خلال اربع سنوات اذا كان طريق خطة لويس داسلفا غير مفروش بالورود لاسباب معظمها داخلية فان خطة الأمير عبدالله ستواجه عراقيل جمة لاسباب اقليمية ودولية (ظروف المنطقة واحتمالات حرب والالتزامات تجاه القضايا العربية والإسلامية) لكن العبرة تبقى في توفر الارادة اما العراقيل فكما يقول الاقتصادي البرازيلي الشهير جوزيه جرازياني وهو من مؤيدي داسلفا (سيكون من الصعب توفير المال لهذه الخطة الا اذا كان على حساب اعتمادات اخرى وذلك هو شعار الرئيس ولكن عبر الاصلاح لا عبر الثورة كما يؤكد ذلك داسلفا نفسه).
ان الامل في نجاح خطط الزعيمين يكمن في مدى الالتزام في المباشرة في اعداد الهياكل التنظيمية والمالية وجعل الخطة جزء لا يتجزأ من الاعتمادات المالية للدولة.
ان عظمة المشروع وضخامة مسئوليته وفشل بعض التجارب التاريخية لانجازه ربما تدفع البعض لنوع من اليأس او (التيئيس) وهذا الاخير هو الخطر الحقيقي.
ان العالم بما في الصدور هو الله سبحانه وتعالى, وعلى كل انسان من خلال موقعه تفعيل كل ما من شأنه مساعدة سمو الأمير عبدالله في تحقيق حلمه النبيل وحلم الفقراء وكل الخيرين في ان يعيش السعوديون - كل السعوديين - حياة كريمة تليق بتعاليم دينهم وخيرات بلدهم.
قبل اكثر من ثلاثين عاما اطلق مارتن لوثر كنج داعية الحقوق المدنية في امريكا خطته للخلاص من العنصرية في خطاب كان عنوانه (دعونا نحلم) واليوم يعيش السود في امريكا تحت ظروف قد تكون عنصرية لكنها بالتأكيد اقل قساوة ولم تعد مقننة.
أليس ممكنا ان يعيش كل السعوديين حياة كريمة؟!.. هذا ليس حلما.