أحسب العديد من المقالات التي تكتب في الصحافة السعودية والعربية والإسلامية تجد طريقها الى التحليل والاستنتاج من الدوائر الإعلامية الامريكية على وجه التحديد وهذا ما يؤكده طرح وجهات النظر هذه في وسائل الأعلام الامريكية. وهذا في حد ذاته خطوة نحسبها لصالح نقل وجهة نظر الرأي الآخر إلى الرأي العام الأمريكي وفي نفس الوقت توفر على المهتمين نشر مقالاتهم في الصحف الأمريكية، وإن كانت الأهداف من هذه التحليلات لدى بعض الدوائر المعادية غير ذلك بل وقد تسعى إلى توظيف مقالات عربية أو إسلامية لصالح تشويه الإسلام كما هو حاصل في العديد من الحالات.
ولقد ساعد ضعف الكم المعلوماتي لدى أصحاب القرار والساسة الأمريكان في نجاح الآلة الاعلامية المعادية في حملتها ضد الاسلام فلقد تم استغلال ذلك أيما استغلال وهذا ليس رأيا فرديا بقدر ماهو نتاج استطلاعات وحوارات تجريها صحف أمريكية وغيرها ولا أدلل على الإقبال الكبير على المؤلفات الإسلامية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا لفهم الإسلام الصحيح إذ أن فهم الإسلام من مصادره الأساسية قد يفشل المخططات الإعلامية المعادية.
وقد يكون من الأخطاء الجسيمة في اننا لم نستطع على مر العقود ان نكون علاقات قوية مع الشعوب الأمريكية وليست الحكومات الأمر الذي أحدث فجوة ثقافية كبيرة ترتب عنها عدم فهم كل طرف للآخر، وعندما جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر اغتنمت الدوائر الإعلامية المعادية هذه الفجوة في أن تعمل على تشويه صورة الإسلام بشكل عام والمملكة بصفة خاصة كونها محط أنظار كافة المسلمين في العالم فامتص غالبية الرأي العام الأمريكي ذلك حيث الفراغ المعلوماتي الذي يعيشونه عن الاسلام أما القلة ممن يتمتعون بعلاقات مع مسلمين وعرب وسعوديين فقد فهموا اللعبة التي تديرها الدوائر الإعلامية المعادية ولكن يبدو أن تأثيرهم لا يصل إلى الرأي العام الأمريكي.
هذه الفجوة اعطت زخما لمجموعة من المفكرين والمحافظين في سياق الحرب على الارهاب اضفت هذه الاحداث مصداقية على بعض الأفكار التي تطرحها هذه المجموعة والتي لم تكن مقبولة لدى الرأي العام الأمريكي قبل ذلك التاريخ ولعل اشهر المدافعين عن الراديكالية الجديدة في امريكا واكثرهم صخبا ممن يطلق عليهم المحافظون الجدد وتضم بعض الديموقراطيين السابقين اذ في زمن الحرب الباردة كان يعتقد مثل هؤلاء انه ينبغي على امريكا ان تتبع سياسة اكثر صلابة تجاه الاتحاد السوفيتي وعند انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وتفوق امريكا عسكريا وتكنولوجيا ادى ذلك الى تعزيز افكارهم امام الرأي العام الامريكي وجاءت احداث 11 من سبتمبر لتمنحهم فرصة لأضفاء المصداقية على معتقداتهم خاصة ان اكثر اعضاء هذه المجموعة هم من المتشددين لصالح اسرائيل. وهم انفسهم من يوجه السياسة الأمريكية نحو الانفرادية الامر الذي سيزيد عزلتها بين شعوب العالم.
ولست مع الحملات الإعلامية المضادة بين الإسلام والمملكة من جانب وأمريكا من جانب آخر، أمريكا تتفوق بالطبع بآلتها الاعلامية نوعا وكما ولكن لسنا بحاجة الى تعزيز نظرية صراع الحضارات وصاحبها هننقتون اذ اننا لا نرغب في أن يتحول الخلاف في وجهات النظر الى صراع بين الاديان وهو ليس كذلك خاصة أن وضعنا في الاعتبار ماذكرناه بأن الأديان السماوية قاطبة تدعو إلى السلام وإن سبب الصراعات ليس ايدلوجيا ولكنه سياسي يدور حول خلط في المفاهيم كما هو الحال بالنسبة للإرهاب وسنأتي لذلك في مكان لاحق من هذه المقالة.
ويلحظ كل متابع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ان توجه الإعلام الأمريكي قد أنحرف عن خطه الديموقراطي ولم يعد ذلك الإعلام الرصين الذي يقوم على الحقائق والمرجعية الادبية لما يكتب وينشر بل أصبحت هذه الوسائل منابر لكل من أراد أن ينفث حقدا وضغينة على الإسلام والمملكة على الخصوص ولعل ذلك من أحد السياسات التي جاءت كردود فعل لتلك الأحداث والرئيس بوش نفسه انتقد الدول العربية على أن سياساتها مجرد ردود فعل لأحداث داخلية وها هي الإدارة الأمريكية في عهد بوش تنتهج نفس الأسلوب والشواهد على ذلك كثيرة فالسياسة الإعلامية قد انقلب حالها وأنشئت وزارة الأمن الداخلي وكذلك الهيئات وانتقصت حقوق الإنسان وأهملت الديمقوقراطية وازدوجت المعايير وساد منطق القوة على العقل وغيرها.
وعندما نتحدث عن مثل هذه الأحاديث قد لا تعجب الأمريكان وهذا من حقهم كما أن من حقنا أن لا يعجبنا ما يثار في إعلامهم والمشكلة هنا في الحقيقة هي عدم الوقوف على مفاهيم محددة حول الموضوعات مثار الخلاف بل وعدم الاستعداد النفسي للحوار حول هذه الموضوعات خاصة من المسيطرين على الآلة الإعلامية الأمريكية لتحقيق مصالح يبدو أنها شخصية، ولكننا نذكر هنا ان المملكة ليست المستهدفة من هذه الحملات بل الاسلام برمته كون المملكة محط أنظار مليار واربعمائة مسلم والمملكة كانت ومازالت تدافع عن قدسيتها ومكانتها أمام العالم والعكس صحيح فعندما يستهدف الاسلام فالمملكة معنية بهذا الشأن فما الحملات المعادية الا لتشويه صورة دين سماوي يدين به ربع سكان العالم، إذا على أمريكا ووسائلها الإعلامية ادراك ان هجومها السافر على الإسلام ماهو إلا توسيع للفجوة القائمة بين الديانات.
أما المتخرصون من الذين سعدوا بالحملات ضد المملكة فلهم أن لا يسعدوا بذلك لأن الآلة الإعلامية الأمريكية لن تضيع وقتا وتستنزف ولو اليسير من طاقاتها الإعلامية لتهاجم دولا لا وزن لها لا على المستوى الإقليمي أو الدولي إنما الحملات الاعلامية المعادية جاءت لدولة لها وزنها وثقلها ويتربص بها الكثيرون ولكن كما أثبتت الشواهد فان المملكة تخرج في نهاية المطاف محققة مكاسب اعلامية وشعبية لم تعن لها.
(يتبع الاسبوع القادم)