قديما قيل: (اليأس احدى الراحتين) اما الشاعر الحطيئة فقد قال: (ولن ترى طاردا للحر كاليأس) ولكن على الرغم من هذه النصائح او الحكم القديمة، اجد نفسي مضطرا الى تكرار موضوع كتبت عنه كثيرا.. وهو (تصرف) مخرج هذه الجريدة، و(تصرف) المشرف على الزوايا، في شكل وفي مضمون الزاوية:
هناك فرق بين الكتابة القديمة والكتابة الحديثة، وبين الطباعة القديمة والحديثة كذلك. الكتابة القديمة وطباعتها لا تنبني على تفصيل الفكرة، فتراها كلها مكتوبة ومطبوعة دفعة واحدة وبدون فواصل. اما الكتابة الحديثة وطباعتها، فهما مبنيتان على نظام الفقرات والفقرة ـ حسب القاموس ـ هي ما يلي:
"الفقرة: مجموعة من العبارات التي يشدها نطاق واحد من المعنى، فتعالج فكرة معينة، موضحة جوانبها، او متناولة جانبا منها بالافاضة، ويكون المحور العام الذي تدور حوله هذه العبارات محورا مشتركا بينها، وقد توجز الفقرة فتنزل في اسطر معدودة، او تطول فتبلغ صفحة كاملة من كتاب او تزيد، تبعا لأسلوب الكاتب".
ما المعنى الصريح الواضح لهذا؟
معناه اننا حين ندخل فقرة في فقرة اخرى، نكون قد دمرنا الفقرتين معا، لان معناهما يصبح معنى واحدا، في حين ان الكاتب لم يقصد هذا، وكما دمرنا الفقرتين تدميرا نكون قد وضعنا على القارىء عبء التفريق بين المعنيين.
مخرج هذه الجريدة، ببساطة شرب الماء البارد، يزج فقرة داخل اخرى، داخل ثالثة، دون ان يرف له جفن، ودون ادنى احترام للكاتب والقارىء معا. لماذا هذا الاعتداء؟ واسميه اعتداء، لانه خارج عن العصر كله. انه عودة الى قرون سابقة.
اما تصرف المشرف على الزوايا، فهو اشد قسوة. اشبه الزاوية في جريدة او مجلة، اشبهها بالزجاجة، والزجاجة حين تحذف شيئا منها فقد حطمتها كلها. لم تعد الكتابة (الحديثة) شعرا او نثرا اجزاء متفرقة, يمكن ان تحذف منها دون احداث اي خلل او نقص فيها. انها اجزاء متلاحمة، وحذف جزء منها حذف لها كلها. والاشد قسوة من هذا ان الهاتف بين يديه، ولا يرفعه ليقول لك اني سأحذف او حتى حذفت جزءا من زاويتك.
ايها السادة.. رفقا بالقوارير.