ذكرنا في العدد الماضي ان من مهمات القيادة الرئيسية التركيز على الرؤية والتوجهات الاستراتيجية والاهتمام بالمستقبل. وقد اهتم الغرب كثيرا بعملية التخطيط واستشراف المستقبل وكان هذا احد اسباب نجاحه في السيادة والتقدم على باقي الشعوب والامم.
تشير الدراسات الى ان الرؤية الجيدة للمستقبل يجب ان يتوافر فيها بعض الصفات نذكر فيما يلي اهمها:
1- توضيح صورة المستقبل المنشود: ان من اهم ما يقوم به القائد هو ان يضع الاهداف التي يسعى لتحقيقها ويرسم لاتباعه صورة المستقبل الذي يريد الوصول بهم اليه. فهو يبلور الرؤية والاهداف السامية ويشحنهم بالرغبة في تحقيق هذه الاهداف والوصول الى هذه الغايات. ولا فرق هنا بين ان تكون هذه الرؤية لفتح اسواق جديدة امام الشركة والانتشار عبر الحدود او لبناء مجتمع جديد تسود فيه العدالة والمساواة والحرية.
2- استشراف المستقبل: الرؤية المستقبلية الواضحة هي التي تحفز الانسان على الاستمرار في السير نحو الهدف رغم الصعوبات. فهذا نوح - عليه السلام - امضى الف سنة الا خمسين عاما يدعو قومه, وحين رأى بحكمته ونفاذ بصيرته انه لا فائدة ترجى منهم دعا على قومه قائلا: (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا). نوح (27).
كانت الرؤية المستقبلية واضحة عند نوح - عليه السلام - لذا كان القرار بالدعاء عليهم سهلا وحكيما, واستجاب الله عز وجل لدعائه. والمثل المشابه والمعاكس هو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لملك الجبال الذي أراد ان يطبق الاخشبين على اهل الطائف: (بل ارجو ان يخرج من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا). اخرجه مسلم. ان استشراف المستقبل يحتاج لنفاذ بصيرة وبعد نظر وتقدير كل الاحتمالات والاستعداد لاسوأها.
3- وضوح الهدف وتحفيزه للناس: ان من ابرز الازمات التي يعانيها الانسان المعاصر عجزه عن تحديد الغاية النهائية لانشطة البشر. فالغرب لا يدرك هذه الغاية لبعده عن الدين. والمسلمون ضاعوا في زحمة المشاغل اليومية والبعد عن الدين, فأصبحنا نعيش في غفلة عن دورنا في هذه الحياة. ان غاية وجودنا في هذا الكون هي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات (56). لكن تطاول الامد على الكثير منا, وتشعب الدنيا في القلوب اديا الى نسيان الكثير منا هذه الغاية. فلو راعى القائد الله في نفسه ورعيته ورسم من الاهداف ما يتوافق مع اوامر الله عز وجل لكان النجاح حليفه. وبالمثل لو وضع المدير او المسؤول هذه الغاية امام عينيه لراعى الله في احكام البيع والشراء وحقوق العاملين, مما يوجد ولاء واخلاصا لديه ولدى المتعاملين معه ويقود المنظمة بالتالي الى تحقيق اهدافه والنجاح والربح والازدهار.
4- التحلي بروح التفاؤل والصبر: على القائد ان يتفاءل بامكانية تحقيق الاهداف التي يضعها ويبث روح التفاؤل هذه بين اتباعه. والتخطيط للمستقبل يتطلب الصبر وعدم التعجل في تحقيق الهدف, فالاهداف بعيدة المدى لن تتحقق بين ليلة وضحاها. ويحكى ان (كسرى انو شروان) مر بفلاح عجوز يزرع شجرة فقال له: كيف تتعب نفسك في غرس شجرة لن تنال من ثمارها اي شيء. فاجاب الفلاح: لقد غرس لنا من قبلنا فأكلنا, ونغرس لمن بعدنا ليأكلوا. ان ما نعمله اليوم لرفعة الامة والدين قد لا يؤتي ثماره في حياتنا, ولكن الاكيد هو انه لن يضيع هباء بل ستحصد ثماره الاجيال القادمة. ان المسلم الحق لا يكون الا مستقبليا.