القصة تعود الى ثلاثين عاما مضت. عندما ظهر موضوع صغير في عمود مختص في نشر الاشاعات في صحيفة لوس انجلس تايمز جاء فيه ان "ممثلة امريكية شهيرة. متزوجة من اوروبي معروف. تنتظر مولودا من زعيم في تنظيم الفهود السوداء (احد الاحزاب الامريكية في ذلك الوقت). مجلة نيوزويك نشرت الخبر واوضحت ان الممثلة المعنية هي جين سيبيرج. وزوجها الاوروبي هو رومين جار الكاتب والدبلوماسي الفرنسي اما زعيم الفهود المعني فهو راي "ماساي"هيويت مسئول الاعلام في الحزب. هذه الاشاعة تركت اثرا بليغا على الممثلة سيبيرج انتهت بها الى ولادة مبكرة توفي فيها الطفل بعد يومين. ثم اقدمت في ما بعد على الانتحار حيث لم تفق من هول الصدمة. ظل الناس يصدقون الحكاية كل هذه الفترة واليوم بعد ثلاثين عاما تقريبا اتضح ان الموضوع كان ملفقا. ولا اساس له من الصحة . وان وراءه الشرطة الفدرالية الامريكية. ومديرها جي ايدجر هوفر في ذلك الوقت.
كانت سيبيرج المولودة في ايوا طالبة في المرحلة الدراسية عندما اختارها مخرج فيلم سانت جوان لتلعب دور البطولة في الفيلم الذي ظهر عام 1957 ثم سطع نجمها واشتهرت بعده في عدة افلام كما ظهرت في الفيلم الكوميدي البريطاني " الفأر الذي زأر "في الخمسينات .
تزوجت سيبيرج في الستينات من رومين جاري وانضمت الى الراديكاليين الامريكيين. وعرفت بتأييدها لحزب الفهود السود الذي كان هوفر مدير الشرطة الفدرالية يعتبره اخطر تهديد للامن الداخلي في الولايات المتحدة. البوليس الفدرالي كما هو معروف منذ قيامه كان عميق التورط في العمليات السرية التي تستهدف تدمير او تفكيك تنظيمات الراديكاليين المصنفين على انهم خطر سواء كانوا زعماء وقياديين كمارتن لوثر كنج او يلعبون ادوارا متواضعة مثل جوان سيبيرج التي تبرعت بمبلغ عشرة الاف وخمسمائة دولار لتنظيم الفهود.
وضع هاتف سيبيرج تحت المراقبة وفي عام 1970 علم البوليس الفدرالي بانها حامل .فاتجه للبحث في امكانية نشر اشاعة من خلال ما يعرف باعمدة القيل والقال في الصحف تفيد ان الاب الحقيقي للطفل ليس والده وانما هيويت ولي.ثم حدث ما حدث. وصدق الناس الحكاية
لكن مذكرة للبوليس الفدرالي ـ كشف عنها في ما بعد بحكم قانون الافراج عن المعلومات السرية عن برنامج مكافحة التجسس وملاحقة التنظيمات والمنظمات المشبوهة وبينها حزب الفهو السود ـ مرسلة الى مديرها هوفر تطلب موافقة مكتب التحقيقات الفدرالي على نشر خبر صحفي ينسب حمل جوان سيبيرج الى (...) في حزب الفهود.
تقترح المذكرة ان يبعث شخص وهمي برسالة الى المسئول عن عمود "القيل والقال " الذي ينشر اخبار مجتمع هوليود. وقد وافق هوفر على هذا التكتيك واوصى بالتريث الى ان يظهر الحمل. ويكون واضحا حتى لا تعتقد سيبيرج بان هاتفها مراقب. صحيفة لوس انجلس تايمز كانت اول ما نشر الخبر. ورغم انها لم تشر الى سيبيرج بالاسم الا انها اعطت اشارات كافية تجعل كل من يقرأ الخبر يعرف انها هي المعنية لا غيرها. فقد جاء فيه ".. اختارها اوروبي مرموق زوجة له.. تهتم بعدد من قضايا الحرية بينها ثورة السود...ووفقا للمصادر المطلعة فان ابو الطفل شخص مشهور في الفهود السود".
عمود لوس انجلس تايمز اعيد نشره في اكثر من مائة صحيفة امريكية.ثم التقطته مجلة نيوزويك مضيفة اليه اسم سيبيرج. لقد وقع عليها الخبر وقع الكارثة. ونشر زوجها رسالة غاضبة في احدى الصحف الفرنسية.وحاولت هي الانتحار بأخذ كمية من الحبوب المنومة لكنها عاشت ثم انجبت بنتا خديج توفت بعد يومين من ولادتها . وقبل دفنها كشفت سيبيرج عن الجنازة لتقول للحضور " انظروا .. ان الطفلة بيضاء وانها ابنة زوجها".
بدأت صحتها وحالتها العقلية في التدهور وحاولت عدة مرات الانتحار في كل مرة تحين ذكرى وفاة ابنتها. وفي عام 1979 وجدت ميتة في سيارة في باريس بعد تناولها كمية اضافية من مادة البربيتوريك. كانت وقتها في الاربعين من عمرها وقد تزوجت للمرة الرابعة.
هذا العام نشر الصحفي جيم بيللوز الذي كان يعمل في صحيفة لوس انجلس تايمز عندما نشرت القصة مذكراته ووصف كيف تم تلفيق التهمة. وهو يقول الان ان نشر القصة قبل التحقق منها "كان خطأ فادحا".وابدى اسفه لانه لم يحاول التحقق من المعلومات ورد الفعل سواء من سيبيرج نفسها او من شخص قريب منها.
اما الصحفية التي نشرت الخبر فقد طردت من عملها عام 1975 حيث اعتبر (بعد خمس سنوات من نشره ) غير دقيق في معلوماته. وتوفيت عام 1983 دون ان تكشف عن مصدر معلوماتها.
مصدر :ملحق الجارديان 22 ابريل 2002