اعتذر صدام حسين الى الكويتيين, ومزج اعتذاره بشتائم وتهديدات بعثرها وسط خطاب الاعتذار الذي جعل الصحاف يلقيه نيابة عنه حتى يستطيع مستقبلا ان يدعي عدم مسؤوليته عن هذا الخطاب مثلما حدث كثيرا في الماضي.
صدام حسين لا يعرف طريق الصدق, ولا يجد سوى لغة الاكاذيب, ولا يتقن الا مهنة الخداع والمؤامرات ودس السم في العسل.
لقد بدا الخطاب الصدامي الاعتذاري الاخير مهزوزا مهزوما مليئا بالكذب والخداع, وسعى بطرق ووسائل عديدة لقلب الحقائق, وتغيير التاريخ الذي لم يمر على وقوعه سوى قرابة عشر سنوات.
عندما استمعت الى الخطاب فكرت فورا في العقلية التي صاغت كلماته, وكتبت مفرداته , ووجدت ان من كتب هذا الخطاب كأنه قصد مخاطبة قوم آخرين غيرنا نحن الكويتيين, او كأنه كتب في عام 3011 حيث نكون قد نسينا بعض تفاصيل الاحداث, وبالامكان تصديق بعض ما جاء به, ولكن ان يكون صدام فعلا قد قصد توجيه هذا الخطاب لنا نحن الكويتيين الذين عايشنا احداث الغزو وتجرعنا مرارته, وعاصرنا عهد الفتنة الصدامية التي اضرمت النار في جميع الخيوط التي تصل العرب بعضهم ببعض, ولسعنا بجحيم النيران العراقية التي ازهقت ارواح العشرات من الكويتيين الأبرياء العزل بقسوة وعنف لم يشهد التاريخ لهما مثيلا.
نحن الكويتيين لا يوجد لدينا اليوم اسرة لم تعان احداث الغزو وقسوته وسوء ما خلفه من نتائج وآثار!
نحن الكويتيين ستظل افرازات الغزو تلاحقنا سنوات طويلة بسبب ما حققه جنود الطاغية من انتصار ساحق على ارض الكويت ضد كل معاني الكرامة والعزة والنبل والوفاء.
لقد دعانا صدام في خطابه الى ان نصدقه, ووضع التبريرات الكثيرة لغزوه الكويت, واعتذر علانية وصراحة وبكل وقاحة عن الغزو واحداثه, وحاول ان يدغدغ عواطفنا التي اجتثها هو شخصيا من جذورها عام تسعين, ويقنعنا بأن لا ذنب له فيما حصل.. ووسط كل ما ذكره الخطاب وردده لم يتحدث صدام حسين عن مصير أسرانا او يذكرهم في خطابه, او يثبت لنا حسن نواياه ويعلن انه سيطلق سراحهم ويسلمنا رفات من توفاه الله منهم.
ان هذا الخطاب الاستفزازي وتوقيته ما هما الا علامة واضحة من علامات الضعف العراقي, وقد حاول صدام جاهدا بث الفتنة والفرقة بين ابناء الشعب الكويتي وحكامنا ولشدة جهله لم يع درس الغزو عندما لم يجد كويتيا واحدا يتعاون معه, او يضع يده في يده, وها هو يكرر المحاولة مرة اخرى معتقدا ان الخلافات بين الكويت والمعارضة خلافات يصل عمقها الى الرغبة في تغيير الحاكم, ولم يعرف بعد معنى ان يحب الشعب حكامه حبا حقيقيا, ويعاهدهم على الولاء, ويبايعهم على السمع والطاعة في الرخاء قبل الشدة, وكأن درس الغزو لم يؤثر فيه عندما التف الكويتيون جميعهم حول شرعيتهم الحاكمة, وانصهروا في بوتقة دفاعية واحدة لتحرير وطنهم ضد قوى الشر والعدوان, وضربوا مثالا عظيما للعالم اجمع بمعنى الوفاء والولاء.
صدام لا يفهم هذه المشاعر الصادقة والحقيقية, ولا يعرف ان الحرية والديمقراطية التي نتمتع بها في الكويت تجعلاننا نؤمن بأن حكم الصباح هو الحصن الامين لبقائنا واننا مؤمنون بحتمية النظام الحاكم بحب ووفاء.. فهو لا يجد هذه المشاعر التي يكنها الكويتيون لحكامهم ولا يعرفها, لانه فرض على العراق حكما بالحديد والنار, حكما لا يعرف سوى لغة الرصاص, ولا يستنشق سوى رائحة الموت, ولا يمسك بيده سوى سوط الذل والهوان الذي اذاقه لشعبه طيلة فترة حكمه.
ان خطاب صدام حسين الذي وجهه للكويتيين لا يحمل سوى حقيقة واحدة وهي ان هذا الصدام مازال جاهلا وغارقا في جهله, وانه فعلا لا يعي حقيقة ما يدور من حوله, ولو كان كذلك لفهم اولا ما يكنه له الكويتيون من مشاعر كره وحقد وغل وعداوة, ولفهم ان مثل هذه الخطابات الحمقاء لا تؤثر في الكويتيين سوى في زيادة كرههم له وحقدهم عليه وعلى نظامه واعوانه!
ولو كان صدام يفهم ويعي, ولو كان لديه مستشارون يفهمون, لكانت لغة الخطاب مختلفة, ولوقف ليعلن للعالم اعتذاره, ومسؤوليته عن كل ما جرى, واستعداده الكامل لتحمل المسؤولية, واستعداده للخضوع لمحاكمة دولية بعد ان يعلن تخليه وزمرته الفاسدة عن الحكم, وتسليم القيادة للشعب ليختار من يراه مناسبا.. هنا فقط نستطيع ان نقول ان صدام حسين فهم فعلا ما هو مطلوب منه.
بقي ان اقول اننا في الايام المقبلة سنجد من سيصدق هذا الخطاب من بعض العرب, كما سنجد من سيسوقه كخطاب استراتيجي لتحديد شكل وملامح العلاقة بين الكويت والعراق, وسنسمع اصواتا اشبه بنعيق الغربان, تدعونا للاصغاء الى صدام, وتقبل خطابه, ونبذ خلافات الماضي.. وسيتنافس بعض الكتاب والصحافيين العرب كعادتهم في تقديم هذا الخطاب الخزعبلاوي بعبارات منمقة وكلمات (مسقعة) ويحاولون اقناعنا بحسن نواياه وطيب سريرته.. وسيزايد بعضهم باظهارنا نحن الكويتيين بمظهر المتعجرف والرافض لكل خطوات ايجابية واننا يجب ان نتخلى عن صلابة موقفنا, ونقبل التفاهم مع صدام حسين , وفق ما جاء في خطابه الاحمق.. ودمتم سالمين.
الانباء الكويتية