كنت اتحدث معكم عن ان هناك جيلا قادما من المسؤولين في اكثر من قطاع جاؤوا بمدارك جديدة. هذه المدارك تتعدى الآفاق المعرفية والالتزام الوظيفي، لتصل الى بحث حقيقي عن الانجاز، وهم لا يقيسون يومهم العملي بالساعات بل في سباق مع انفسهم للوصول الى طموحات تتعدى المكاتب لتصل الى الناس في قطاعاتهم الكبيرة ولانهم يريدون اعمالا تتحدث عنهم وهم في مناصبهم وتستمر في الحديث عنهم بعد ان يغادروا هذه المناصب.
وكنت في زيارة للمهندس جمال الملحم بامانة منطقة الدمام وتحدثت في مواضيع كان من الممكن الا اتطرق اليها بدافع اسباب المجاملة التي تقتضيها الزيارة العادية لكنه بعد حفاوة الاستقبال ذكرني بموضوع كتبته يوما عاتبا على الامانة، ولم يترك لي مجالا لكي اجد داعيا للتفسير، فقال لي انه يؤمن بالنقد، وهو يسعى اليه مادام في النهاية يصب في الصالح العام وانا اقف معه تماما. اصحاب القلم لهم قوة مسيطرة ونافذة في شرائح المجتمع ولذا فهم مؤتمنون على امانة من اهم الامانات. وهي امانة ليست تلك التي تهزمها المجاملات والمديح الزائف التي يكذب فيها الكاتب على القارىء ويضلل المسؤول، ولكنها ايضا الامانة التي تجعل الكاتب يرفع النقد متحريا الصواب ولا غيره ولايرتكن الى معلومات لا يعرفها حق المعرفة ولا مترجيا غرضا شخصيا لانه يملك سلاحا يشهره في وجه من لايقضي له اربا. وزرت قبل ذلك المهندس عبدالرحمن الربيعان ورأيت منه ما جعلني اتلمس دما سائغا يدخل دفقا نشطا في المكاتب الرسمية. هي فئة تعمل وعقلها مع الناس في كل مقام مدركين انهم موجودون للناس وليس للتطلع في ارضاء الرؤساء حتى ولو اغموا عيونهم فهم يعرفون جيدا ان خدمة الناس هي في النهاية خدمة للرؤساء بالفعل.
لا يمكن ارضاء الجميع لسببين هامين، اولهما هذه الغاية التي لاتدرك ولان ثانيا لا يملك مسؤول بين يديه ما يجعل كل الناس راضين. وعقلاء الناس يرضون بالمسؤول متى ما كان يعيش هموم الناس ويدرك مطالبهم ويرضي سعيا لذلك ارضاء ضميره الذي يحاسبه كل لحظة. هذه الصفات هي التي اوجدت شعبية لمسؤولين حتى وان كانت انجازاتهم محدودة ولكنهم فتحوا تواصلا مع الناس عرفوا من خلاله من يعمل مافي طاقته ليفي بمسؤولياته. وللناس حاسة تدرك ذلك وتفرق بين مسؤول ومسؤول.. وهذه حقيقة. انا لا ادعو هنا إلى ان يستمر هذان الرجلان المسؤولان في طريقتهما الجيدة فحسب وانما ان يعم هذا الوعي بين كل الموظفين في كل قطاعاتهم وسنطالب حينها بالنقد الذي هو عصارة اقتراحات بناءة. وسنطلب من الناس شيئا اكثر وهو ان يقدموا العذر لهم عندما تتقاصر الظروف.