شكك احد الكتاب الامريكيين بصراحة متناهية في مزاعم تأثر الدول العربية بالرأي العام العربي او ما يعرف باسم (الشارع العربي) وتساءل لماذا لا تخضع الدول العربية لمطالب الشارع العربي بعامة ان كانت صادقة في مزاعمها؟
واضاف ان تأثير الشارع العربي محدود جدا في الدول العربية فمساهمة الرأي العام العربي في العمليات الانتخابية مبرمجة بحيث تتناسب مع الرأي الخاص الحكومي, بمعنى ان الشارع العربي في حقيقة الامر مجرد ورقة ترفعها الحكومات العربية لتتفادى مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الحقيقية في النظام العالمي الجديد. وما أثار انتباهي دعوة الكاتب الامريكي الى رفع شعار الشارع الامريكي في مواجهة الشارع العربي, لان الرأي العام الامريكي - حسب رأيه - غاضب ومستاء لاحداث 11 من سبتمبر, والحكومة الامريكية انما تنفذ رغبات وتوجهات الشارع الامريكي الذي يستطيع ان ينتخب الرؤساء واعضاء الكونجرس, فالرأي العام الامريكي هو القوة الفاعلة والمؤثرة في صناعة القرار السياسي, وهو شارع يملك مصادر القوة: الثروة والتقنية واحدث واقوى آلية عسكرية شهدها التاريخ, فأي الشارعين اجدر بالاستماع واحق بالانصات له.
ما ذكرته هو غيض من فيض ومقولة صريحة ومقارنة فاضحة ومؤلمة بين شارعين او أمتين, احدهما يملك مقومات السيادة والكرامة والعدالة ويتصدر الامم في مجالات الصناعة والتقنية ومجالات الطب والمعرفة تخضع لارادته القوة السياسية والعسكرية, وثانيهما شارع غير معبد ينام فيه الناس على هامش الحياة تعبر من خلاله ناقلات ضخمة تحمل كل انواع البضائع البعض يكتفي باستنشاق الغبار والاتربة ودخان المازوت والبعض الآخر يقتات على جزء من سقط المتاع.
شارع سرق منه الحاضر وغيب عنه الماضي اما المستقبل فيرسم بعيدا عن ارادته ومصالحه, شارع يفتقر الى وضوح الرؤية وتحديد الاهداف, لديه اسس ومقومات البناء الحضاري الانساني المتميز لكنه ترك ذلك وادمن الجدل والاختلاف حتى لم يبق شيء لم يختلف عليه. ان كلمة (الشارع) لا تطلق في الاعلام الامريكي على الشعب الامريكي بل يتم استخدام مصطلحات مثل الرأي العام، المواطنون الامريكيون، والشعب الامريكي والسبب في ذلك ان الكلمة لها دائما دلالتها على الواقع بينما في العالم العربي حذف من القاموس مصطلح الرأي العام وحل محله (الشارع العربي) لان آراء المواطنين لا تعدو مجرد نقاش في المقاهي التي تنتشر في شوارع المدن العربية. وشتان بين شعبين رأي احدهما له دلالاته القوية وتسخر له المؤسسات الاحصائية والقياسية بينما رأي الآخر يضيع في سحب من دخان السجائر والنرجيلة ونتائج استفتاء تكون دائما 9ر99%.