استكمالا لما سبق ان بدأناه في الحلقة الماضية دعوني اؤكد أنني هنا لا اصادر على القراء الاعزاء وجهات نظرهم التي لا تخلو من وجاهة. على اي حال فيما سبق ان طرح في مقالة الاسبوع الماضي، وان كنت ارى ان هناك بعضا من المنطلقات التي آمل ان تؤخذ بعين الاعتبار اذا ما اردنا تناول هذه القضية بموضوعية وتجرد بغية الوصول الى فهم مشترك لموضوع مهم وحساس لاسيما انه يكاد يشكل محورا لنقاش يومي يدور بين الكثيرين من المتابعين، والمهتمين والباحثين.
ان اعلام اليوم - كما اعلم وتعلمون- وان كان حقيقة الامر (سلعة) لابد لها ولكي تحظى بالقبول من ان ترضي جميع المشارب والاذواق، الا ان لها ضوابط (مهمة جدا) يحددها في المقام الاول اخلاقيات المهنة، و(سلامة المنطلقات) التي لابد ان تأخذ العمل الصحفي بعيدا عن الاسفاف، والابتذال، والتشهير، وان يكون المنطلق دائما (المصلحة العامة) وليس غيرها فهي الابقى والانقى، على الرغم من ان للبعض وجهة نظر اخرى لا تخفى على اي متابع، وبالتالي لا اخال احدا غير (هذا البعض) يوليها اي اهتمام او تقدير لانه اذا عرف السبب بطل العجب.
فاعلام الالفية الثالثة هو كما يقال (سلطة رابعة) تمارس دورها الاجتماعي تماما كما تمارسه السلطات الاخرى في الدولة تشريعية كانت او تنفيذية او قضائية، لذا كان لابد لها ان تحظى بقدر من الاحترام اذا ما اريد لها ان تمارس دورها (الايجابي) المفترض توعية وتثقيفا، وهو ما لا يتأتى الا من خلال الكاتب لنفسه والذي سوف ينعكس حتما على ما يكتب بدءا بانتقائه فكرة ما يكتب وانتهاء باختياره العبارة التي تنقل هذه الفكرة لقارئه.
من هنا كانت الكتابة الصحفية في المقام الاول عمل اقل ما يوصف به انه عمل انساني ابداعي يولد نتيجة لتفاعل الكاتب الواعي مع قضايا مجتمعه محلية كانت ام اقليمية، ام عالمية، وبالتالي فكلما زادت درجة هذا التفاعل مع هذه القضية انعكس ذلك على الفكرة وضوحا، وعلى الاسلوب اتزانا، والنتيجة حتما هي تفاعل صادق بين الكاتب وقارئه.
واذا ما اتفقنا على ان موضوع المقالة لابد ان يكون (قضية عامة) فان الاسلوب هو الآخر لابد ان يكون اسلوبا متزنا وصادقا يتناول الحدث بطريقة مجردة، ومحايدة، وموضوعية بغض النظر عن الاسماء او الاشخاص، وان كان ذلك لا يمنع بطبيعة الحال من الاشارة الى المتسبب بها تلميحا، او حتى تصريحا اذا ما لزم الامر بشرط ان تتوافر لدى الكاتب شواهد لا يرقى اليها الشك عن المتسبب.
من هنا ايضا نستطيع القول ان العمل الاعلامي عموما، والكتابة الصحفية على وجه الخصوص لن يكون هدفها التشهير او تصيد اخطاء الاخرين او تصفية حسابات مع هذا او ذاك، بقدر ما هي مساهمة من الكاتب في الجهد الاصلاحي، وذلك من خلال لفت النظر الى سلبيات البعض، واركز هنا على البعض لان الخطأ الفردي هو الاقل ضررا دائما وابدا من الخطأ الجماعي الذي اذا ما ترك دون اشارة، وموقف فسيكون له من النتائج الوخيمة ما لا يعلم الا الله مدى تأثيراته.
اضافة الى ما سبق فان ابسط مبادئ الحق والعدل، والموضوعية تستلزم منا الاشارة الى ان الخطأ الانساني صغر ام كبر، وبالذات غير المقصود هو خطأ ملازم للعمل عبر (بضم العين) عنه افضل تعبير من خلال المقولة الشهيرة، الوجيهة، والمتداولة، ان من لايعمل لا يخطئ فليس هناك من هو معصوم من الخطأ على وجه هذه البسيطة.
انني هنا لا انكر على الاطلاق ان هذه السلطة تبدو احيانا وبسبب ممارسات بعض ممن ابتليت بهم سلطة (بفتح السين) لذلك فلا غرو ان وجدنا البعض منهم يقيم الدنيا ولا يكاد يقعدها لانه لم يعامل معاملة خاصة لدى مراجعته لاحدى الادارات العامة، او الخاصة لاهداف لا علاقة لها بالعمل الصحفي.
ولانها لو خليت لخربت كما اشرت في مقالة الاسبوع المنصرم فهناك الكثيرون من اصحاب الاقلام الشريفة والضمائر اليقظة والحس الوطني التي حباها الله نزاهة المنطلق ما يجعلها تضع دائما مصلحة الوطن ومواطنيه في المقام الاول، وبالتالي تبتعد كثيرا عن اسلوب تصيد الاخطاء الذي لا يخدم هدفا عاما حتى وان تسبب هذا في عتب القراء احيانا، وغضبهم في احايين اخرى.
انني وقبل ان اختم مقالتي اعترف بانني لم اف هذا الموضوع المهم حقه، وبالتالي فانا اسلم بكل الحق لمن يعتب من قرائي الاعزاء، وان كان لي من عذر في ذلك فلعله يرجعه الى طول واهمية الموضوع من جهة، والحيز المكاني الذي اعطيته من قبل الاحبة في جريدة (اليوم) من جهة اخرى.
واخيرا، وليس آخرا. عفو ايها الاحبة.
لقد قيل قديما ان (العتب هو على قدر المحبة).. واذا ما كان هذا هو المنطلق اذا فليعتب القراء ما شاء لهم ذلك طالما ان المنطلق هو المحبة.
دمتم، أيها الاحبة
وعلى الحب نلتقي