لن أطيل عليكم.. لن أطيل.. فقد كان هو لا يطيل, يلتقط الصورة ومضة من الزمن الهائل.. لا يطيل يذهب سريعا.. وتبقى الصورة في نفق الخلود.
@ اللقطة الأولى: الزيارة..
منذ سنوات عديدة كنت استشفى من مرض لازمني, كلمني صديقنا البحريني المشترك يوسف الجنيد وأخبرني انه سيزورني مع صالح العزاز.. وكان صالح في وقتها في دوامة الزمن التي عصرته منذ تعامل مع الدنيا.. لم تفكه, وانما كانت تحكم قبضتها أحيانا وترخيها أحيانا.. زارني والقبضة تشد عليه شابا غضا كانت الدنيا قد تستقبل عبقريته الفارهة وتنفح حساسيته القزحية.. ولكنه كان مقيدا وسوف يقيد.. كان وجها خجولا رائقا ناعما.. وعينان غديريتان لم ير عمقهما أحد.. ورحل قبل ان يقيس أي غطاس اعماقهما. ودعني بعد الزيارة وما زالت رشة عينيه الينبوعية تغلف وجودي العميق..
@ اللقطة الثانية:
قليل من الناس كالأزهار ليست تموت مبكرا, وانما تصنع هذا الموت سكبا من رحيقها, عطرا ينشي فجر الجمال قطرة ضوء بعد قطرة ضوء.. تنسج كفنها إبداعا عبقريا معطرا وهي تذوب في قبضة الزمن.. كان هو يرسل أجمل ما كتب وهو ينام بجانب الفناء ويجاور الأبدية.. ألا ترون المصور في أجمل صوره.. ألا نعلم ان رحيق الأزهار نمصه نحن, والفناء معنا بالجوار يغرف أكثر؟ كان يحيك آلامه بساطا مبهرجا نطير عليه بأساليب يستحضرها من ألم بهيج.. كيف تبتهج الآلام؟ هذا ما تعلمنا الأزهار.. وما حاول صالح ان يعلمنا وهو يعانق الأبدية او ان الأبدية كانت تعانقه عناق الأقدار..
@ اللقطة الثالثة:
.. كثير منا كصبارات البراري تعيش طويلا حتى في أشرس الأجواء وتنبت الشوك.. وتمص عن الأحياء.. آخر قطرة ماء!
@ اللقطة الرابعة:
ترحل الزهرة وميضا مترفا من الوجود, وتبقى الصبارة معمرة في عين الشمس.
@ اللقطة الخامسة:
زرتني أيها العزيز وأنا مريض.. ياللصورة القدرية.. ترحل مترفا وأبقى في عين الشمس..
@ اللقطة السادسة:
اذن من منا الصبارة؟ ومن منا ياصالح.. الزهرة؟
@ اللقطة الاخيرة: رد الزيارة..
ابتهل رحمة المولى ان نزورك وأنت برياحين الفردوس.