الشك والريبة والعلاقات المسممة, ذلكم هو واقع العلاقات السائدة والمتجددة بنفس الاتجاه بين منظمات حقوق الانسان والحكومات العربية دون استثناء. لكن ومع ذلك يبدو ان هذه العلاقة ورغم اصرار الانظمة العربية على التسلح بسلاح الكمون العدائي الدائم والقائم على التفكير المبدئي بسوء نية الطرف الاخر.. يبدو ان هذه العلاقة مرشحة ليس فقط للاستمرار بل للتطور انها علاقة تستمد حيويتها من طبيعة واهداف طرفي العلاقة. الحكومات العربية كأي حكومات في العالم وبحكم طبيعتها كأنظمة فوقية للمجتمع ستمارس ممارسات لا عادلة ضد قطاعات تزداد او تنقص من الناس حسب طبيعة النظام السياسي والاقتصادي القائم في البلد المعنى.. نقد تلك الممارسات هي مهمة منظمات حقوق الانسان كما يمليها عليها هدفها المعلن واساليب عملها المنسجمة وهذه الاهداف.. اذا كان نقد الحكومات وكشف ممارساتها المنافية لشرائح حقوق الانسان حقا لمنظمات حقوق الانسان فان من حق الحكومات المشروع الرد على هذه الانتقادات واول من يعترف للحكومات بهذا الحق هو منظمات حقوق الانسان نفسها.. اين يكمن الخلل اذن؟ الخلل يكمن في وجود عداء مستحكم لدى الحكومات العربية لهذه المنظمات بحيث ان سلوكها لم يعد يتسم بالرد بل بالاتهام المباشر. هذا لا يعني ان كل اتهامات الحكومات باطلة بل يعني ان الكثير منها قائم فقط على روح العداء المبدئي.. ماهي في الغالب انتقادات منظمات حقوق الانسان؟ انها تتركز حول وجود سجناء سياسيين وعدم تمتع هؤلاء السجناء بحق الدفاع الشرعي عن انفسهم ووجود حالات تعذيب في السجون, الحجر على حرية التعبير والنشر, قمع الحريات الخ هل هناك دولة عربية واحدة لا يوجد بها شيء من ذلك؟ هل توجد دولة في العالم لا يوجد بها شىء من ذلك؟ هل الاتهامات قاصرة على البلدان العربية؟ وبما ان الجواب بالنفي فلماذا اذن هذا العداء المستحكم؟ ان تجليات هذه السياسات الحكومية تجاه منظمات حقوق الانسان لا تختلف لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون من عاصمة عربية لاخرى بل ان الردود لا تختلف من حيث فجاجة التكرار لدرجة لم يعد حتى المنافقين لهذه الحكومات يعيرونها اهتماما ليس هناك دولة عربية واحدة يشذ نظامها عن الوقوف موقفا ليس فقط مريبا بل وعدائيا تجاه كل ما له علاقة بتلك المنظمات بل وبكل ما يمت لحقوق الانسان بعلاقة.. صحيح ان هذه المنظمات غير الحكومية تختلف من حيث المبادئ التي تسترشد بها وبالتالي من حيث اولوية هذه القضية او تلك في سلم اهتماماتها ونشاطاتها لكنها - هذه المنظمات - تلتقي حول جوهر برامجها مجتمعة وبالتالي قد تختلف اشكال واساليب العمل لتحقيق هذه البرامج لكن دون الخروج عن مؤشر بوصلة مهمتها والذي هو نقدي لكل الحكومات في العالم بغض النظر عن نظامها وقد تتقاطع في ظروف تاريخية محددة مع بعض اهداف ونشاطات هذه الحكومة او تلك او هذه المنظمة العالمية او تلك دون ان تكون المنظمات مرتبطة بشكل مباشر بها.
ذلك لا يمكن ان يدفع الى الاستنتاج الميكانيكي بان منظمات حقوق الانسان ليست سوى اداة لهذه الدولة او تلك او لهذه المنظمة المشبوهة او تلك في فترة تاريخية محددة. منظمات حقوق الانسان مثلها مثل اي تشكيلة بشرية تتكون من بشر وهؤلاء البشر لهم مشاعرهم الشخصية وولاءاتهم الفردية بل وربما تعاطفهم الديني او العرقي او الطبقي او السياسي لكنهم جميعا مرتبطون بميثاق يفترض ان يكون فوق كل هذه الولاءات.
لكن وبما ان لا احد يستطيع اليوم انكار ان التعددية في الرأي قد اضحت حقا مكتسبا وان نسبيا ليس فقط للحكومات والمنظمات بل وللافراد.. وبما ان كل منظمات حقوق الانسان هي منظمات يقوم نشاطها على النقد للجوانب السلبية للسياسات الحكومية فان تلك المنظمات لا تعترف فقط بضرورة توجيه النقد لها بل تطالب به في كل نداءاتها وادبياتها. تفعل المنظمات ذلك وتطلب تقديم كل مايمكن ان يصحح معلوماتها ويضع الامور في نصابها ان انتقادات منظمات حقوق الانسان لا تقتصر على حكومات البلدان العربية بل تشمل كافة الحكومات وعلى رأسها الحكومات الاوروبية والامريكية. صحيح ان التعديات في مجال حقوق الانسان اكثر صراحة وبشاعة في بلداننا لكن التعديات هناك تنتقد وتفضح باستمرار ويتعزز الامل هناك بتضاؤلها لذلك تعير الحكومات الغربية اهتماما بالغا بمنظمات حقوق الانسان وتدعم نشاطاتها حتى ولو كان ذلك بشكل (منافق احيانا) هناك يردون على انتقادات منظمة حقوق الانسان بصدر مفتوح ويدعمونها لمزيد من النشاط ولقد احسنت الحكومة صنعا باستقبالها مؤخرا لمندوب حقوق الانسان واطلاعه على الاوضاع ذات العلاقة.