هل يحق للعربي في هذا الوقت ان يزيد سقف مطالبه التي تتلخص في الحياة بكرامة ومستوى دخل يكفل له الحد الادنى من المعيشة؟
واقصد بالعربي هنا المعنى الشامل للكلمة اي المواطن والدول بعد ان تساوى الجميع في حقيقة التهديد ومساحة الوعيد. ليس المهم ان نتفق ولكن المهم الا نفترق، وليس المطلوب ماذا يجب ان نفعل ولكن ماذا يمكن ان نفعل.
لقد انتبه الفقهاء الى (القدرة على الفعل) او ما يسمى بفن الممكن من خلال قراءتهم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة فوضعوا قاعدة لا تكليف الا بمقدور، حتى يتبين للانسان المسلم ـ فردا او جماعة او دولا ـ ان الشارع الحكيم اراد الا تغيب الحكمة والمقدرة بمفهومها الكلي عن ساحة العمل على المستوى الفردي او الجماعي او المؤسساتي لقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وليس هذا قاصرا على الامور التعبدية كالصلاة والزكاة والصيام بل يتعداها الى كل امر يتعلق بمصلحة الفرد او الامة، فليس مراد الشارع إلقاء النفس الى التهلكة في مواجهات غير محسوبة او تغييب فرص الحياة الكريمة والنهوض بالمجتمع المسلم بحجة الزهد في الدنيا او فرض الوصاية الفكرية والسياسية بحجة الطاعة والخوف من الفتنة. ولكيلا اذهب بعيدا اعود فاقول ان فن الممكن هو ان نعرف ماذا نريد وكيف نحقق مطالبنا وفق قدراتنا المتاحة نعم قد يتنازل الافراد عن بعض الحقوق وتتنازل الدول عن بعض المكاسب ولكن يجب الحفاظ على رؤية مشتركة تحافظ على استقلالية سيادة القرار وسيادة الاوطان وثوابت الدين ومصالح الدول في اطار من التعاون.
ليس الهدف من المطالبة بالعمل وفق فن الممكن هو الاستسلام لحالة العجز واليأس بحجة عدم القدرة فالاصل هو العمل على تحقيق ما يجب ان يكون بل والطموح الى اكثر من ذلك ولكن يحدث الاستثناء في حالات الضرورة وعند مواجهة التحديات الجسام التي تواجه الامة في دينها وهويتها ووحدة كيانها.