لاشك ان وقوع احداث الحادي عشر من سبتمبر من العام المنصرم وما خلفه من آثار على جميع الاصعدة سياسية كانت او عسكرية او اقتصادية او حتى نفسية قد القت دون ادنى شك بظلال كثيفة على مجمل خيارات الاستراتيجية الامنية الامريكية وأوجدت ولاتزال جدلا واضحا بين صناع القرار السياسي الاستراتيجي الامريكي حول الخيارات المتاحة لتبني مايسمى باستراتيجية مكافحة الارهاب.
فلقد نسف ذلك الحدث وبكل قوة كل الاطر والمفاهيم التي شكلت اهم اساسيات مبدأ الامن المتبادل الذي قام عليه مبدأ منرو 1823م لضمان امن القارة الامريكية وما لحقه من مؤتمرات عقدت برعاية امريكية لتأكيد ذلك الهدف كمؤتمرات بونيس ايرس 1936م وليما 1938م والمكسيك 1945م وريدوجانيرو 1947م بعد ان تعرضت امريكا لتجربة لم يسبق لها المرور بها من قبل حينما ضربت ولاول مرة في تاريخها باستثناء بيرل هابر بكل قوة وقسوة في عقر دارها.
وبعد تجربة الحرب العالمية الاولى وما خلفته من آثار مؤلمة تبنت الولايات المتحدة مع حلفاء الحرب استراتيجية نظام الامن الجماعي الذي بدأ تطبيقه مع قيام عصبة الامم خلال فترة العشرينيات من القرن المنصرم والذي حددت اهدافها بالحيلولة دون تغيير الوضع الدولي الراهن من خلال اتخاذ اسلوب التدابير الدولية الجماعية كأداة ضغط منطلقة في ذلك من فلسفة انه لايمكن رد العدوان بالاخلاقيات وانما من خلال تدابير جماعية تسندها قوة نستطيع ردع المعتدي بالقوة المسلحة القادرة على التفوق عليه عسكريا.
لقد قامت تلك الاستراتيجية على مجموعة من افتراضات لعل من اهمها ان هناك اتفاقا دوليا على تحديد المعتدي وان الهدف الجماعي للدول مجتمعة هو مكافحة الارهاب وبان لكل دولة الحرية في اختيار طريقة المشاركة وان ضخامة الامكانيات الجماعية تجعلها قادرة على رد العدوان واخيرا فان ادراك الدول المعتدية لحجم التحديات التي تواجهها تجعلها اكثر عزما وتصميما على رد العدوان.
ان انقسام العالم الى كتلتين وعدم تجانس المقاييس في تعريف العدوان ناهيك عن ان مفهوم الحرب التي قام عليها النظام هي (الحرب التقليدية) التي اخذت اشكالا مختلفة جعلت من الصعب تطبيق هذا النظام عليها قد سبب انهيار هذا النظام بعد انهيار المنظمة الدولية التي قامت في الاساس على فلسفة القدرة على تطبيقه.
ودب الوهن في جسم الاتحاد السوفيتي الذي لم يستطع الصمود طويلا امام محاولات (بروسوريكا جورباتشوف) لذلك فلا غرو ان يواري جثمانه الثرى خلال فترة التسعينيات من القرن المنصرم لتنفرد امريكا بعدها ودون منازع على المستوى المنظور على الاقل بزعامة العالم ومن ثم بدأت ايضا بفرض مفاهيمها على العالم تارة من خلال الاقناع وفي معظم الاحيان من خلال الابتزاز الواضح جدا للعيان.
لقد اختارت امريكا بوش تشيني بكل الطوع والاختيار ان تعيش حالة (صراع) دائم مع عدو اختارت له مسمى الارهاب مع مايصاحب هذا الصراع من متغيرات وما يصاحبه من تكلفة مادية ومعنوية لا اخالها بخافية على صناع القرار السياسي الامريكي.
ان تصعيد الصراع يعني طبقا لرأي الاستراتيجيين العسكريين الزيادة التي تطرأ على كثافته وما ينتج عنها من توسيع مداه وهو ما يتضح جليا من خلال المحاولات الدبلوماسية الامريكية خلق تحلف دولي ضد النظام العراقي وايجاد المبررات الشرعية لضربه مستخدمة منابر الامم المتحدة وبالذات مجلس أمنها الدولي مطية لبلوغ ذلك الهدف.
واذا ما انتقلنا الى تحديد اهم المتغيرات التي تحدد الآفاق النهائية لهذا الصراع فسنجد ان الحدود الجغرافية للصراع وعدد الاطراف المشاركة وطبيعة الاهداف ومدى شموليتها او محدوديتها واخيرا عمق التأثيرات على المسرح الدولي هي اهمها على الاطلاق وغني عن القول هنا ان هناك غموضا واضحا في هذا الصدد وان الخطاب السياسي الامريكي يبدو مترددا وغير قادر الى الآن على حسم الآفاق النهائية لهذا الصراع فيما عدا تأكيده المستمر على ان هدفه هو تطهير العراق من اسلحة الدمار الشامل من خلال ازالة نظام صدام حسين.
اما بالنسبة لكثافة الصراع فيحددها غالبا نوعية الادوات المستخدمة في الصراع نوعية الاسلحة ومستوى فاعليتها التدميرية وحجم المواد المخصصة للصراع.
واذا ما سلمنا جدلا انطلاقا من لهجة الخطاب السياسي الامريكي على انها قد اختارت الحرب وسيلة لحسم هذا الصراع فالسؤال الذي يجب ان يثار هنا ماذا يمكن ان نسمي هذه الحرب المرتقبة؟
ان المتابع للخطابين السياسي والعسكري الامريكي ناهيك عن التجربة الاخيرة في افغانستان لابد وان يصل الى نتيجة فحواها ان الحرب المرتقبة يراد لها ان تكون حربا وقائية سريعة تلافيا لما قد ينجم عن الحرب التقليدية الطويلة المدى من آثار قد تلحق ابلغ الضرر على الوضع الذي تريده الولايات المتحدة لنفسها في المنطقة وهنا لابد من وقفة ليست بالقصيرة نحدد من خلالهامعنى ومبررات هذه الحرب.
الحرب الوقائية هو مفهوم استراتيجي عسكري يقوم على فكرة المبادأة في الحرب من خلال حشر كل القدرات العسكرية المتاحة لتدمير قوة العدو وبالتالي الاجهاز عليها قبل ان تنمو وتشكل خطرا حقيقيا.
ان توجيه الضربة الاولى للعدو سواءمن خلال استخدام الاسلحة التقليدية ذات التقنية العالية جدا او حتى استخدام القدرات النووية متى مالزم الامر وبغض النظر عما اذا كان هناك استفزاز من جانب الخصم هي الاستراتيجية العسكرية المتاحة في هذه الحالة.
الى هنا نفترق مع وعد بلقاء قادم.
وعلى الحب نلتقي