عزيزي رئيس التحرير
استكمالا لما نشر عن بعض السلوكيات المرفوضة من قبل بعض الطلاب, نكمل الحديث عن شكل آخر من اشكال السلوك الذي يتبعه بعض الآباء بتدليلهم الزائد عن الحد للابناء, والذي يتخذ بعض الاشكال السافرة تلك التي لا تساعد على خلق اجيال واعدة تتحمل المسؤولية التي تنتظرهم في مستقبل قريب, حينما توكل اليهم مهام ينبغي القيام بها فلا يستطعيون.
وقد لا يكون غرض الآباء من هذا التدليل هو الافساد أبدا حاشا وكلا, فكل اب من الآباء يتمنى ان يجد فلذة كبده على خير حال وافضل حالا منه ويبز اقرانه, ولكن يخطئ في تطبيق الوسيلة التي يظنها الناجعة من حيث لا يدري, ففي بعض الاحيان يحاول الاب ان يعوض حرمانه من شيء في طفولته بتقديمه سهلا ميسورا لابنائه, كالمصروف الذي كان لا يحقق طموحاتهم في وقت من الاوقات في طفولتهم, وكان يشعرهم بالعجز عن تلبية رغباتهم من ألعاب او شراء ما يحبونه, فيغدقون على اولادهم بأضعاف اضعاف ما حرموا منه ظنا منهم ان هذا الاسلوب وهذه الطريقة سوف تخلق منه انسانا ناجحا, او تعوضه من الحرمان الذي كان يستشعره, وهذا جميل, ولكن ينبغي ان تراقب ابنك جيدا فيما ينفق من اموال دون ان يدري, وخاصة في مراحل العمر المبكرة, وتستشعر مقدار ما ينفقه فربما انفقها في اشياء غير مستحبة كالتدخين مثلا, تعود عليه بالضرر, او ان يوفر الاب له سيارة وهو في مرحلة مبكرة من التعليم, قبل ان يستخرج رخصة قيادة فلا يشعر الابن بقيمتها, وكثيرا ما نشاهد مآسي من بعض الشاب المفحطين, والعابثين, نتيجة لتهورهم وعدم تقديرهم للمسؤولية, لشعورهم بأن المال الذي حصلوا عليه لم يكدوا في جمعه لانهم حصلوا عليه بسهولة.
ويجب ان يفكر الاب فيما آل اليه حاله نتيجة لصعوبة تحقيق امنياته وهو صغير, وكيف خلقت منه هذه التجارب انسانا ناجحا, وكثير من الآباء القدامى على سعة وتيسر حالهم كانوا يقومون بعملية ضبط محكمة لما ينفقه الاولاد لكي يشعرونهم بأهمية المال وليس عيبا ان يبدأ الانسان حياته من الصفر, ويبني مستقبله, ولكن العيب كل العيب ان ينفق الانسان ثروات ابيه التي تركها له في العبث كل العبث.
ان اعطاء الابن قسطا من الحرية مطلوب ولكن ليست حرية مطلقة, وينبغي ان يراقبه الاب بعين رقيبة حانية, فيسأل عن مستواه الدراسي ومستوى تقدمه وتحصيله في مدرسته, دون ان يشعره بذلك, كم عدد الآباء او كم تمثل نسبتهم من مجموع الطلاب في المؤسسات التعليمية الذين يولون اولادهم اهتماما بالسؤال عنهم ومتابعتهم دراسيا؟ وكم نسبة من يراقبونهم ويعرفون خطوط سيرهم وطبيعة تصرفاتهم؟ وكم منهم يتأكدون من حسن استخدام الابناء للجوال الذي منحوه لهم؟
عندما يتحول التدليل الى تحقيق رغبات الابناء كلية دون رقابة على تصرفاتهم, فينحرف منهم من ينحرف, ويعوج منهم من يعوج, هنا نقول ان هذا الشكل من التدليل سلبي وينبغي ان يعاد النظر في مساحة الحرية وكم التدليل الممنوح لهم وضبطه.
@@ د. محمد نور الدين السبعاوي
