دعونا نتخيل اننا قررنا انشاء عدة مدن في عالمنا المترامي الاطراف.. واحدة للصدق واخرى للكذب وواحدة للوفاء.. والغنى والفقر والشجاعة والخوف.. الخ. واردنا ان نخصص كل مدينة من هذه المدن الى الفئة التي تتصف بتلك الصفة التي تحملها تلك المدينة.. ليعيش سكانها في حرية كاملة لاداء دورهم بكل صدق او كذب او وفاء.. او شجاعة او خوف دون احراج او مضايقة من مخلوقات دخيلة على غرائزهم او طبائعهم وصفاتهم التي اذا شبوا عليها شابوا عليها..
وحينما اردت ان اعرض تخيلي هذا على احد المهندسين والمتخصصين في تصميم وانشاء المدن الخيالية ابلغني ان انشاء مثل هذه المدن لا يحتاج الى جهد كبير حيث ان التصاميم جاهزة في الحياة وما علينا الا اختيار المواقع والسكان.
ضحك المهندس ضحكته الخيالية وقال بلغته الانجليزية: Give Me Break Dr.Moshin ثم اكمل بالعربي اليس لديكم ولدينا ولدى العالم هذه الفئات التي ذكرتموها فالاغنياء لديكم ما شاء الله والفقراء حدث ولا حرج.. والكذابون عين الحسود فيها عود عليهم والاوفياء والغدارون وغيرهم لا توجد بقعة على الارض الا ويحتلونها وينفثون افكارهم فيها.
واردت ان اتأكد من هذا المهندس الذي يقوم بمهمة الطبيب النفسي في وقته الاضافي بسؤالي له: في نظرك يا باش مهندس الخيال.. اي الفئات التي نتحدث عنها هنا اخطرها؟ قال وبكل ثقة ودراية وشجاعة: فئة الكذابين.
قلت: ومن اية ناحية قال من كل النواحي قلت ماذا تقصد بكل النواحي؟ قال: اقصد ان الكذاب يتمتع بالكلام مرة وبالفعل مرات في كل الصفات التي ذكرناها.. قلت له: وضح ياسيد المهندسين.. قال: الكذاب يدعي الغني تارة والفقر تارة اخرى. ويصف نفسه بالوفاء بينما هوايته الغدر.. ويحلف انه صادق ويعرف في قرار نفسه انه بوابه من مدينة الكذب.. و(يخرط) على مستمعيه انه افترس عشرين اسدا في معارك ضارية. وفي نفس الوقت يدعى انه ضعيف لوجه الله يكره العنف وهو غاندي زمانه.
اذا الكذاب هو اخطر مخلوقات الله واردت ان اتزود (بزوادة) الانسان الذي يعشق حب الاستطلاع ولديه فضول المعرفة فسألت مهندسنا الكريم كيف تعرف الكذاب من الصادق؟
قال وهو يضحك بثقة: يكاد الكذاب ان يقول خذوني.
قلت: لم افهم يا سعادة الباشا.
قال: الحديث عن الكذابين.. حديث طويل وقصص الكذابين كثيرة ونحتاج الى جلسة اخرى.. فما رأيك؟
قلت: لابد وان استأذن قرائي الكرام.