ما أسهل على مجتمع الذكور الذين بأيديهم الحل والربط أو من يطلق عليهم (أصحاب القرار) من اللجوء الى وسيلة التطنيش كحل نهائي ودائم (بدون خيارات) اذا عنى الأمر بمجتمع بنات حواء واحتياجاته الحيوية بالرغم من أنهن يشكلن الغالبية في العديد من المجتمعات ومنها مجتمعنا، فواقع الحلول المرتجلة التي تعصف بهن بين فترة وأخرى وكأنهن أعجاز نخل خاوية (مستضعفات في أرض الله لا حول ولا قوة لهن) دليل قاطع على هذا التسلط غير المنظر لدرجة تتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف الذي أوصانا مرارا وتكرارا بهن خيرا، ففي رواية معاذ رضي الله عنه، يقول سيد الخلق أجمعين صلوات ربي وسلامه عليه:(من ولي أمر الناس شيئا فاحتجب عن أولي الضعفة والحاجة، احتجب الله عنه يوم القيامة) رواه أحمد في مسنده.
كيف نرتضي لأنفسنا اجبارهن على التقاعد المبكر اذا كان في استمرارهن عونا لنا كمجتمع نام يتطلب تضافر الجميع من أجل البناء، أو دخل اضافي بالكاد يكفي لاحتياجات أسرهن ويكفيهن شر السؤال والحاجة.. بل لنا أن نتصور شعورهن عندها يهمشن بغير حق وهن في أوج العطاء... كيف يرتضي بعضنا استمرارية وجودهن كتوابع أو بدون، لا يملكن حتى بطاقة اثبات هوية (!)، ولعلي في هذه العجالة أورد حالة المرأة التي أرادت سحب مبلغ من حسابها في أحد البنوك فقصدت الفرع النسوي وطلب منها اثبات الهوية فقدمت دفتر العائلة التي تسلحت به تجنبا للحرج فطلب منها اثبات ما يبين أن الاسم المدون هو حقيقة اسمها فاضطرت الى احضار جواز السفر لاحقا لانقاذ الموقف.
كذلك حالة الأرملة التي أرادت السفر مع ابنها الأربعيني فطلب من الأخير اثبات ولاية الأمر على والدته بورقة رسمية (!!)، ولنا أن نتصور الوضع لغالبية النساء عندنا اللاتي لا يملكن جواز سفر أو اي اثبات شخصي لتدبير أمورهن في زمن صعب اختلط فيه الحابل بالنابل وأصبح لزاما ولصالح خير هذا الوطن وسلامة أمنه وجود ذلك البرهان.
ان أمر تهميش احتياجات النساء هو واقع نمارسه ونعيشه يوميا حتى في أطهر بقاع العالم... فبعيدا عن الخوض في مشاكل العمرة التي انفتحت على مصراعيها وما صاحبها من قضايا مزمنة في المشاعر المقدسة مثل الافتراش والشحاتة المهنية و (......!؟) التي جبلنا على تمريرها سنويا سواء مجاملة لبعض الدول التي تعبث شركات السياحة المسؤولة عن الحج والعمرة فيها بمواطنيها لدرجة النصب والاحتيال العلني، او باتهام مؤسسات الطوافة والعمرة عندنا بالتقصير تارة، وأخرى بالتماس العذر للجهات المسؤول عنها لسوء تقديرها للموقف وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة والتي سوف تتداركها في المستقبل القريب ـ باذن الله تعالى ـ ودعاؤنا لها بالتوفيق كما كنا نفعل دوما، فالاحصائيات الأولية تشير الى أن الغالبية المطلقة من الزوار المعتمرين هم من العنصر النسوي ولدرجة الضعف!!, ترى ما استعداداتنا لتوفير أنجح السبل كي يؤدين الفرائض والواجبات في يسر وطمأنينة؟ ملتزمات بنهج المصطفي صلى الله عليه وسلم الذي يقول:(لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المسجد)، ومتى نغير من أساليبنا التعسفية تجاههن سواء مخاطبتهن بلغة الترهيب والتنفير التي تندرج ضمن مفرداتها: (هيه، ياحجة، يامره)، ممنوع هداك الله، من هناك، من هنا،.. الخ، أو بتضييق الخناق عليهن في أماكن محدودة جدا داخل الحرمين الشريفين لتبقى الغالبية منهن في الساحات المحيطة فيفقدن بذلك روحانية وقدسية المكان الذي قصدته رغم كلفة ومشقة السفر, من معايشة الوضع ميدانيا في الحرم النبوي، وتحديدا في شهر رمضان المبارك خصوصا ايام العشر الاواخر منه، فقد استوعبت الساحة الشرقية أو الاماكن التي تمت ازالتها مؤخرا (عمائر الاوقاف) العدد الأكبر منهن ولكن في جو أبعد ما تكون الطمأنينة فيه بسبب عدم تهيئة المكان وعشوائية التنظيم لدرجة الفوضى ومنها اختراق المارة من الرجال صفوف النساء أو العكس رغم محاولة بعض رجال الأمن ايجاد ممر لحركة المشاة ما بين جنوب الحرم من جهة القبلة وشماله من جهة شارع أبي ذر.
أسئلة عديدة مطروحة للنقاش ومنها: لماذا يكون الاهتمام باحتياجات العنصر النسوي حتى في أماكن العبادة مهمشا وارتجاليا رغم ما بذلته الدولة ـ رعاها الله ـ في سبيل خدمة الحجيج والحرمين الشرفين خصوصا التوسعة العظيمة لهما في عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله؟، ولماذا لاتخصص أماكن تكفي لمعظمهن داخل الحرم بدلا من تخصيص معظمه للرجال لدرجة أن بعضهم يتخذه كمكان اعاشة وليس عبادة (!)، قد يكون من الأولى تخصيص معظم الساحات الخارجية للرجال (مع الجزء الداخلي الامامي) أوقات الذروة بحكم أن غالبيتهم متواجدون لاداء الصلاة فقط وسرعان ما ينتشروا خارجه لقضاء حوائجهم اليومية، بعكس غالبية النساء اللاتي يأتين للبقاء فترات أطوال ومعهن بناتهن أو صغارهن بغرض العبادة وتعويد فلذات الاكباد على أداء الشعائر، ولماذا لا يخصص السطح والذي لا يتسع لاكثر من تسعين ألف مصل بكامله للنساء مع تهيئته لذلك وتوفير وسائل الصعود والنزول بيسر من خلال زيادة السلالم الكهربائية أو ربط تلك المؤدية الى المواقف في القبو بجسور توصل الى السطح (بعد رفعها دورين اضافيين) وبذلك تحل مشكلة الفصل جذريا والأهم من ذلك توفير مكان محدد وآمن ومريح للنساء.
كفانا شحوطة إماء الله والتنظير لهن بقرارات فجائية مرتجلة.