العنف ضد المرأة يبدأ بالاذى البدني ويبلغ ذروته بالضرر النفسي بأثاره الخطيرة على الزوجة وبالتالي على المجتمع.. الدراسات الاجتماعية الحديثة اظهرت ان نحو ثلثي النساء في بلدان العالم الثالث يتعرضن للاساءة النفسية والاذى البدني!.. ولاشك ان المجتمع الخليجي بصفة عامة والسعودي بشكل خاص يواجه اشكالية العنف ضد المرأة بمالها من سلبيات ترتد في نشوء عقد نفسية خطيرة تتفاقم الى حالات مرضية تبدأ بانتهاج المرأة التي تعاني العنف ضدها نفس الاسلوب العنيف كرد فعل تجاه زوجها وابنائها والمحيطين بها وينتهي الامر بتهديد كيان الاسرة وهي نواة المجتمع..
بيوت كثيرة تعاني العنف ولاتفصح... في منازل تحتل فيها المصاحف الشريفة مواقع هامة ولكن الممارسات الاسرية تخالف بحدة شرع الله وتتعارض مع تكريم الاسلام المرأة كزوجة وام وابنة.. (اليوم) قررت ان تقتحم المشكلة وتناقشها بجرأة وصراحة وتقدم بعض النماذج لنساء قررن الخروج عن صمتهن والافصاح عما يدور خلف الابواب المغلقة.. وتستطلع رأي الشرع وعلماء الاجتماع لنقدم رؤية متكاملة لظاهرة يجب ان نضع لها حدا.
مساومة!
هي زوجة شابة لم يتجاوز عمرها العام الثالث والعشرين اسمها (قمر.ع) كانت متحمسة ومنفعلة وهي تطرح مشكلتها مع الزواج الذي لم يستغرق سوى عام واحد عانت فيه الامرين.. تقول (قمر) مشكلتي بدأت منذ ان وضعت محبس الزواج في اصبعي... سنة كاملة من العذاب وبعدها ظللت لمدة ستة شهور في دار اهلي افكر في وضع حد لمأساتي في صراع مرير للافكار حتى استطعت ان اتخذ القرار الاخير.. قرار الطلاق او الحرية.. ولكن المفاجأة هي انني عندما اخبرت زوجي برغبتي في الطلاق وافق بشرط ان يدفع له اهلي مبلغا قدره 45 الف ريال!.. ولانه - كما يرى في نفسه - انسان طيب فقد تنازل بعد اسبوعين من المفاوضات عن خمسة الاف ليصبح المبلغ الذي يطلبه 40 الف ريال فقط!... وتضيف (قمر) انني في قمة الصبر لانني تحملت هذا الزوج سنة كاملة بطولها وعرضها واعتقد ان اي امرأة سواي لم تكن تتحمل كل هذه الاهانات والاجحاف في التعامل وانا مجبرة لابطلة فقد حبسني الزوج في حياته ولكن ان الاوان ان اتخلص من محبس زواجه.. لقد حرمني زوجي من اي احساس بالسعادة بدءا من اجباره لي على تركي عملي بما يمثله من دخل مادي كان عونا لي ولكن المدهش انه لم يتكرم بمد يده ليصرف من جيبه بل ان الاشياء كانت تحلو اكثر عندما تخرج من جيبي من خلال مساعدات اهلي.. اؤكد لكم الآن بكل ثقة ان البخلاء هم سبب كل بلاء على وجه هذه الارض فعيني لم تلمح معه سوى واحد من اثنين اما الكورنيش الذي هلكني به ذهابا وايابا دون ان يفكر مرة واحدة في استضافتي بكوز من الذرة او وجبة سريعة من مطعم رخيص لدرجة انني فكرت كثيرا ان اطبع له قوائم الاسعار حتى يتشجع ويخرج الريالات المحبوسة في جيبه وحينما هل العيد تفتق جيب زوجي المصون بعشرة ريالات كاملة (عيدية) ليبكيني على حظي بدلا من ان يفرحني بالعيد اما مفاجاة ذكرى عيد ميلادي الاول بعد زواجنا فكانت الهدية ام ريالين!.
وتضيف (قمر) بسخرية.. لا اعرف بأي وجه يطالعني دون ان يخجل من رجولته وهو يسألني اليوم عن مقابل للطلاق ويستغرب من طلبي ويردد انه يكن بداخله الحب والاحترام ولايريد انهاء العشرة الزوجية.. ارجوكم قفوا معي وانصفوني من اين يثبت حبه واحترامه هل من الـ الخمسة والاربعين الف ريال التي طلبها للتنازل عني ام هدية عيد ميلادي ام ريالين ام.. ام؟!!
وتضيف (قمر) انا اخجل كثيرا من وصف حالته العدوانية في التعامل معي فرجولته لايستمدها الامن السوط ناهيك عن العيوب التي يلصقها في فلان وفلتان حتى يكذب على نفسه ويظهر كأنه ملاك من السماء بلاعيوب.. هذا غير القرارات التي لابد ان توقع عليها عائلته المكرمة قبل ان يتخذها ثم اجباري على الالتزام بتعليماتهم بدقة والا فانا مارقة!.. لقد تحول حلم الزواج الى كابوس مزعج لم احصد منه الا الالم والمتاعب.
الجميلة والسيارة!
اما (نسرين.ع) فهي زوجة تمتلك قدرا من الجمال.. كانت ترتعد خوفا وقهرا قبل ان تبوح بما في داخلها من آلام.. قالت وهي تجهش بالبكاء.. انا لا اجرؤ على مواجهة المجتمع ولا اريد ان اطلب الطلاق فقد انجبت ولدين ولا اريد لهما اي تعقيدات في حياتهما نفسيا او اجتماعيا ولكنني في نفس الوقت لست قادرة على العيش مع ابيهما الذي بدأت مشكلتي معه بسبب صمتي وعدم قدرتي على الدفاع عن قضيتي.. تخيلوا انه يواجهني وبكل جرأة ومنذ ايام خطبتنا برغبته في الزواج من امرأة اخرى.. فهو يبرر ذلك بانه يريد ان يساهم في حل مشكلة العنوسة!.. فالسيدة التي اختارها تكبره في السن ولكنه يتذرع باسباب دينية مبديا عدم وجود مانع لزواجه بها طالما ان ذلك لايخالف شرع الله.. وبعد معاناة طويلة اعتقدت ان مشكلتي قد تم حلها واستطعت اقناعه ولكني تحديدا بعد مرور سنة اكتشفت انه يتحدث مع تلك السيدة عن طريق الهاتف.. وبدأت الرؤية تتضح بالتدريج لان حلمه وطموحه ان يصبح تاجرا غنيا ويجد ان ايسر الطرق لذلك ستكون عن طريق زواجه من عاملات كبيرات في السن كي يخضعن لاوامره.. وتضيف (نسرين) لا اخفي عليكم انني وبكل ضيقة صدر اعترف بانني (رجل المنزل) فانا التي ادفع الفواتير الهاتف والكهرباء واشتريت له سيارة ومنزلا.. كل هذا من اجلا ان اقضي على مطامعه واسد عينه (بقمع ملح) ولكن لافائدة فقد زادته تنازلاتي طمعا.. وبعد فترة وجيزة اكتشفت ان حلمه الجشع يكبر ولم انجح في زحزحة اطماعه.. وليت الامر مجرد رغبة في الزواج باخرى او طمع في مال الا انه لايستطيع ان يعيش يوما دون ان يمد يده علي بالضرب ولايأبه او يهتم بان كان ما يقوم به من رجولة متخيلة امام اطفاله ام لا.. في النهاية ما عاد زواجه المحتمل يؤثر في سواء تزوج ام لم يتزوج ولكن ما يؤلمني حقا انني معلقة.. (مرمية) في منزلي ومضى على عام بكامله دون ان يطلق سراحي او يتقدم مني خطوة واحدة.. ومؤخرا تعطف وتكرم على واخبرني بانه لامانع لديه ان يرجعني بشرط ان اشتري له سيارة (كابريس) موديلا جديدا!!.. لقد يئست ولم اعد اعط بالا لاي شيء.. فقد شلت قدرتي على التفاعل مع الحياة المحيطة بي.. بينما زوجي لايستمع ولايهتم الا بتطلعاته المادية..
الطلاق في شهر العسل!
(فاطمة عبدالعزيز) لها قصة ذات طابع خاص فحياتها قبل الزواج كانت تختلج بافكار كثيرة عن المستقبل المشرق الذي تحلم به لنفسها.. هي الآن بعد تجربتها المؤلمة لم تعد تندب حظها لانها تحمد الله على قدرتها على التخلص من اسباب تعاستها.. فاطمة بدأت في سرد حكايتها مع طلاقها بكل جرأة وقوة فهي لاتخفي ظروف حياتها الفقيرة قبل الزواج واصطدامها بافكار اهلها الرجعية ولكن كل تلك المعاناة لم تقدر على تغيير طبيعتها المثقفة المغايرة لكل من حولها.. تحكي فاطمة بدايات حياتها عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها.. افكارها كانت متقدمة عن قريناتها لانها كانت طموحة وقارئة وشاعرة ولم تعتقد ابدا ان هناك من يجبرها على ان ترجع للوراء ويتعامل معا كسلعة او قطعة ديكور او مخلوقة درجة ثانية.. فاطمة تقول لم اشعر يوما او حتى لحظة باي وفاق او استمتاع في الحياة الزوجية التي بدأتها مبكرا... ثقافتي وافكاري كانت تتجاوزه كثيرا والمفترض انه ربان السفينة او قائد الحياة الزوجية.. لم اتذكر منذ اليوم الاول لزواجنا اي مرة تناقش معي في موضوع جاد او قضية ذات اهمية فهو لايتذكر الا مواعيد مباريات كرة القدم التي من اجلها يترك الجمل بما حمل ويستيقظ من احلى نومة حتى يتابع المباريات او يتحدث عن الكرة بحماس وانفعال ولاشيء اخر في حياته يشغله.. لقد كدت اجن خلال شهر واحد من زواجي والمفترض انه كما يقولون شهر العسل وللاسف كانت نتيجة هذا الشهر حمل حدث مبكرا.. والغريب بانني اشعر انني قاسيت عشرات الاعوام خلال هذا الشهر الذي عشته زوجة مهملة..
فاطمة لم تكن مثل غيرها وعرفت مبكرا ان الطلاق هو الحل لاختلاف الطباع وتناقض الاهتمامات والطبيعة التصادمية مع زوجها.. ولكنها واجهت زوجها واسرتها وتحملت العذاب الذي لاتقدر على وصفه من زوجها واهلها..
تقول فاطمة: لقد تعرضت لكل انواع الضرب والتعذيب والاهانات فقط لانني جهرت امام اهلي واخوتي برغبتي في الطلاق.. وحاولوا بكل الاساليب الممكنة حتى ارجع عن قراري.. لم يشعر احد بالشفقة على او يعايش تفاصيل حياتي المعذبة.. كل هذا حتى لاتصبح لهم اخت مطلقة!! حتى والدي ورغم مشاهدته لي في الفترة التي مكثتها وانا حامل في بيته كان يعاملني مثل الخادمة.. ورغم كل تلك المعاناة حصلت على الطلاق لتبدأ بعدها رحلة معاناة جديدة.. فقد حملني الحمل مسئولية اكبر فقد كبرت وكبر معي ولدى وتثاقلت معنا أعباؤنا وهمومنا فما كان على القيام به ان اواجه نظرة جديدة وغريبة للمجتمع..بالطبع زاد الطمع في خاصة انني مطلقة وجميلة وصغيرة في السن.. حتى صديقاتي لم تعد لديهن نفس القدرة على التعامل معي بنفس الصورة او الطريقة القديمة وبعضهن تهربن منى او تعاملن معي بحذر وخوف وحجتهم في ذلك انني مطلقة والعين تتفتح على بصورة اكبر.. ولكنني لم اشعر بالندم ابدا لطلبي الطلاق.. فهو كان شرا لابد منه ولكن اين استطيع الفرار من نظرات الجميع القاسية التي تعريني بوقاحة بكل ما فيها من قسوة والناس لايفهمون ابدا ان الطلاق ليس نهاية العالم تماما مثل الزواج الذي ليس بالضرورة ان يكون عشا جميلا.. خاصة مع بعض الرجال الذين لايفهمون المعنى الحقيقي للزواج ومسئولياته..
زوج معقد
اما (رشا سمير) فقد كانت لها حياة مختلفة تماما عن حياة الاخريات رشا تزوجت وعمرها خمسة عشر عاما, تحدت الجميع واسرتها من اجل الدفاع عما اسمته آنذاك باسم الحب.. هذا الطريق الذي تمنت ان تعيشه مدى الحياة.. ولكن الرياح تاتي بما لاتشتهي السفن.
الدمار بدأ في حياتها منذ السنة الاولى لزواجها ومنذ انجاب ابنتها الاولى التي قالت حينها: المسؤولية التي وضعتها على عاتقي جعلتني افكراكثر نضجا واكثر مسؤولية, الناس كانوا يحسدونني لانهم كانوا يرونني سعيدة على الدوام بابتسامتي وزينتي ولكنهم لم يستطيعوا الدخول لداخلي وملامسة المي وقهري.
الحياة بالنسبة لي كانت منتهية, اما حملي الثاني والذي جاء بدون تخطيط له فزاد حملي حملين فما ذنبي لكي اتحمل الحياة مع رجل معقد ومريض نفسي يريد ان يهدم حياته بيده.. فكرت مليا قبل ان اطلب الطلاق في ابنتي ولكني اكتشفت انهما سوف يكبران بعاهة نفسية علاجها سيصبح عقيما اذا ترعرعا بيننا سويا اي بين الضرب والصوت العالي لقد مرت اربع سنوات من اجل الحصول على الطلاق وانني اتساءل بيني وبين نفسي أهذا هو الزواج الذي يحلم به جميع بنات العالم وبعدهذه التجربة النفسية لا اكاد استطيع ان اشعر بشيء في الحياة الا بالخوف على مستقبل بناتي وانا اسالكم هل سيرضى هو ان يكون نصيب بنت من بناتي كنصيبي معه؟؟
تحريم تعليق المرأة
وقد اوضح (الشيخ عبدالله الخنيزي) قاضي محكمة الاوقاف والمواريث بالقطيف رأيه في هذا الموضوع بايجاز حيث اوضح ان المعنى الشرعي للطلاق هو قطع حبل الزوجية بين الزوجين بلفظ معين بعد توافر الشروط الموضحة من قبل الشارع.. كما يحرم تعليق المرأة, لان الاية الكريمة تصرح بـ(اما امساك بمعروف, او تسريح باحسان) فان علقها, وامتنع عن النفقة, خيره الحاكم بين الانفاق اوالطلاق فان قام باحدهما فذاك, والا طلقها الحاكم, بعد انقضاء الفترة التخييرية وان نفقة الزوجة واجبة على الزوج حتى لو كانت غنية والزوج فقيرا, فهي لاتسقط الا ان تسقطها الزوجة ذاتها.
وان شاءت المرأة في الحصول على نفقتها طالبته والزمته بها, ولو عن طريق الحاكم الشرعي, وان شاءت اسقطتها, وتنازلت عنها, وثبوت النفقة لها مع عدم النشوز منها, والا فالناشز لاحق لها في ذلك.
تطبيع اجتماعي
رأي الاخصائية النفسية فاطمة العصفور: يقول الله تعالى (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
فاذا تعرضت هذه العلاقة الحميمة للتدهور بسبب الطلاق او الصراعات المستمرة بين الازواج فان هذا يعد خللا اجتماعيا وفسادا اخلاقيا يحتاج الى علاج وتصحيح.
والاسرة في نظر الاسلام ارقى من ان تكون مجرد وسيلة لقضاء الشهوة الجنسية او وسيلة لانجاب الاولاد, لكنها الاساس الذي يقوم عليه البناء الاجتماعي كله.
ومن خلال المودة والرحمة يمر الزوجان بفترة تطبيع اجتماعي غير مقصود كما هو الحال في تطبيع الاطفال الصغار, لان العلاقة الزوجية هي علاقة قائمة على التعاون والتفاعل المتبادل يقوم فيه كلا الزوجين بوجباته وتحمل مسؤولياته وهذا يتطلب من كليهما الحنان والرعاية كما يوضحه الخطاب في الاية الكريمة السابقة وهو موجه للرجال والنساء على حد سواء.
ومبادئ الاسلام فيها من التوعية ما يكفي لتفادي الانهيارات الاسرية وحل الصراعات التي تنشا بين الازواج وقد تؤدي الى هدم الاسرة وضياع الابناء.
ان الاسلام اباح الطلاق الا انه جعله ابغض الحلال فلا يستعمل الطلاق الا عند اللزوم والضرورة كما لدواء المرير الذي لابد منه وهو عند استحالة الحياة الزوجية لاسباب جوهرية, فهو لايؤثر سلبا على الزوجة فقط وانما يمتد تأثيره الى الابناء خاصة والمجتمع عامة.
فهذه اسئلة من نساء غلبتهن الحيرة فأبدينها صرخات يبثثن من خلالها آلامهن:
- ما الذي افعله لزوجي كي يحبني ويرضى عني؟
- بذلت جهدي لاجعل زوجي يهتم بي وبابنائنا ولو قليلا وقد فشلت فماذا افعل؟
- انا حائرة.. اخشى على ابنائي من عواقب الطلاق واخشى عليهم من البقاء تحت رحمة زوج ظالم واب قاس فماذا افعل؟
- ابنائي يعيشون في خوف دائم وزوجي يهددني بالطلاق فكيف اتصرف؟
- زوجي طلقني واخبر اطفالي باني قد مت!!
- تزوج باخرى وهجرني واطفالي فكيف يعيشون؟!!
ان العلاقات الزوجية لها تاثير بالغ في طبيعة التوازن الاسري, فالعلاقات الزوجية السيئة تؤثر سلبا على مدى الكفاءة الوالدية.
والخلاصة.. اننا نستطيع عن طريق الاسرة ان نحقق للفرد الثقة وزرع والاستقرار وبناء الارادة وتحقيق الهوية الذاتية والحصول على درجات مثلى للتفاعل الاجتماعي فاذا لم يتم ذلك تعرض الفرد لازمات مختلفة تنعكس في ازمات اسرية تمتد اثارها الى المجتمع بأسره.