عقد الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش العزم على تجنب المصير السياسي لوالده الذي هتفوا له كمنتصر في الحرب ولكنه هزم في الانتخابات في العام التالى للنصر. كان جورج بوش الاب الرئيس الحادي والاربعون في تاريخ الولايات المتحدة على تأييد قياسي في استطلاعات الرأي العام داخل بلاده بعد قيادة التحالف العسكري الذي أخرج قوات الرئيس العراقي صدا م حسين من الكويت عام1991. وعانى الاقتصاد الامريكي من الركود في أعقاب الحرب واعتبر الناخبون أن بوش الاب لم يهتم ويتعامل بشكل سريع مع المشكلة، رغم انتهاء موجة الركود في أوائل عام 1992.
وتعرض الموقف السياسي للرئيس لوضع محرج وخسر في انتخابات نوفمبر 1992 أمام منافسه بيل كلينتون الذي ركزت حملته الانتخابية على موضوع الاقتصاد. وبعد 12 عاما تشابهت الظروف إلى درجة ملفتة للنظر. فقبل عام ونصف من انتخابات 2004، يحظى جورج بوش الابن الرئيس الثالث والاربعون بشعبية جارفة بعد نجاحه في الاطاحة بنظام حكم صدام حسين في بغداد. لكن الاقتصاد الامريكي ما يزال يعاني الركود. وقال بوش أمام حشد من العمال في مصنع للصلب أوهايو في وسط الغرب الامريكي وهي من الولايات التي تحسم نتائج الانتخابات الرئاسية "إنني متفائل بشأن مستقبل بلادنا ومن المهم أن تتعامل واشنطن مع بعض المشاكل التي تواجهنا". وقال "إن احدى المشكلات التي تواجهنا ليست في عدم استطاعة عدد كبير من مواطنينا الامريكيين في الحصول على عمل بل في الغموض الشديد الذي يحيط بالحالة الاقتصادية اليوم". ويدرك بوش الابن ومستشاروه فيما يبدو أكثر مما أدرك والده الضرورة السياسية للتركيز على الاقتصاد، أو على الاقل ضرورة اظهار الاهتمام بالطبقة العاملة الامريكية وبالحفاظ على مستوى رفاهيتها. وورث بوش عند توليه منصبه في يناير عام 2001، اقتصادا بطيئا لدرجة الركود. وبعد ثمانية أشهر جاءت الصدمة الانسانية والاقتصادية التي سببتها هجمات سبتمبر الإرهابية، ورغم ذلك حقق الاقتصاد نموا من جديد قبل نهاية العام.
وشهد عام 2002 استمرارا في التعافي الاقتصادي رغم ما يلوح في الافق من عقبات. ففي الخريف نشرت الحرب التي كانت تلوح نذرها في العراق حالة من التوتر والخوف في أسواق النفط مما أدى إلى تراجع الحالة الاقتصادية والاستثمارات. وذكر بوش عمال أوهايو بذلك قائلا مر هذا البلد وهذا الاقتصاد بكثير من العقبات". وبعد هزيمة العراق، تعمل إدارة بوش جاهدة على وضع السياسة الاقتصادية الامريكية على قمة جدول أعمالها وخاصة فيما يتعلق بخفض الضرائب. وقد استمر الغموض يسود الحالة الاقتصادية رغم تحقيق الشركات مكاسب أفضل من المتوقع في الربع الاول من العام الحالي الا أن تسريح العمال مستمر بمعدلات مرتفعة. و عرض بوش في وقت سابق من العام الحالي خطة لتخفيض الضرائب بنحو 700 مليار دولار على مدى عشر سنوات وأطلق عليها اسم خطة التحفيز الاقتصادي. وتتضمن الخطة مجموعة من الإجراءات مثل الاسراع بتطبيق التخفيضات التي بدأ ت عام 2001 للضرائب على الدخل الشخصي والتي تنفذ على مراحل على مدى عدة سنوات، والغاء تخفيض ضرائب الدخل للمتزوجين الذين كانوا سيدفعون ضرائب أقل إذا ظلوا بغير زواج، وإلغاء الضرائب على أرباح معظم الافراد إذ ا كانت قد استقطعت منها ضرائب بالفعل على مستوى الشركات، وزيادة تخفيض الضرائب على استثمارات مشروعات الشركات الصغيرة. وتقول الادارة الامريكية إن إلغاء الإزدواج الضريبي على الارباح ومساعدة المشروعات الصغيرة من شأنها أن تدعم الإستثمار، في حين أن تخفيض الضرائب على الدخل الشخصي سيوفر للمستهلكين أ موالا أكثر لينفقوها وهي معادلة تشجع على توفير فرص العمل. ويصر الديمقراطيون المعارضون على أن الحافز سيكون ضئيلا ويشكون من أن تخفيض الضرائب سيفيد الاغنياء الذين يدفعون نصيبا من الضرائب لا تتفق مع ارتفاع دخولهم. وكان مجلس النواب قد وافق في الاسابيع الاخيرة على مشروع قانون بتخفيض الضرائب بنحو 550 مليار دولار على مدى 10 سنوات.
وبعد أن تراجع بعض الجمهوريين عن تأييدهم للموضوع نتيجة مخاوف من تزايد العجز في الميزانية الاتحادية، عدل مجلس الشيوخ مشروع القانون بحيث تقلص التخفيض إلى 350 مليار دولار. وتسعى إدارة بوش حاليا للسيطرة على هؤلاء الجمهوريين المعارضين للخطة وال ديمقراطيين المترددين من أعضاء مجلس الشيوخ وذلك في محاولة لاخراج الصفقة في شكلها النهائي من المجلسين. ويكشف الإنقسام بين البيت الأبيض وبعض أعضاء الكونجرس الجمهوريين عن خلاف طويل الأمد داخل الحزب ذي الاتجاه اليميني بين المؤيدين لتخفيض الضرائب وبين المتخوفين من عجز الميزانية. وكان بوش الأب الذي انتخب بعد تعهده بعدم زيادة الضرائب، قد أثار غضب الكثيرين بعد موافقته على زيادة الضرائب في محاولة فاشلة لتقليل العجز في الميزانية الاتحادية المتزايد بدرجة كانت وقتها أكبر من عجز الميزانية الحالي بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي. و لم يجد بوش الأب حماسا من قاعدته الحزبية في سباق انتخابات الرئاسة عام 1992، كما تعرض لانتقادات من اليسار بسبب ضعف الاقتصاد. أما بوش الابن الذي تمتد جذوره السياسية الشخصية في الاتجاه المحافظ بصورة أكثر عمقا فقد راهن على مصيره بوضوح مع مؤيدي تخفيض الضرائب. وفي اوهايو استهدف بوش بوضوح واحدا من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من مثيري المشاكل وهو جورج فوينوفيتش عمدة كليفلاند وحاكم أوهايو السابق صاحب السجل الطويل في تأييد تحقيق التوازن في الميزانية وكمؤيد لبوش في الوقت نفسه. وقال بوش "لقد أرسلت للكونجرس خطة لتخفيض الضرائب من شأنها أن تؤدي إلى زيادة فرص العمل وبعث الحيوية في الاقتصاد". وأضاف "من أجل بلادنا ولمصلحة عمال أمريكا، ندعو الكونجرس إلى الموافقة على الخطة بسرعة، فالسياسات الصحيحة التي تخرج من واشنطن يمكن أن تحرر القوة الهائلة للاقتصاد وتوجد الظروف السليمة للنمو والرفاهية".