استمرت الشورى في نظام حكم الدولة السعودية في مختلف مراحل تكوينها بقدر الامكان حتى جاء الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي لم يؤثر عنه انه انفرد بأمر من الامور دون الاستشارة حيث كان دستوره: (وأمرهم شورى بينهم).
ولاشك في ان المتتبع لسيرة البطل الموحد ليعرف قوة الايمان والصبر اللذين تحلا بهما الى جانب مشاورته لاهل الحل والعقد واصحاب الخبرة في الامور السياسية والمالية والعسكرية ولم يكن يقبل اي امر يخالف الكتاب والسنة.
فبفضل الله تمكن - رحمه الله - من بناء دولة راسخة الجذور في فترة زمنية قياسية مليئة بالفتن والمشاكل السياسية وعلى الرغم من انشغاله بتوحيد البلاد وتثبيت الامن والامان الا ان ذلك لم يصرفه عن اتخاذ القرارات الصائبة التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن حتى تمكن - بتوفيق الله - من ارساء قواعد متينة لهذه الدولة، قوية بعقيدتها ورجالها المخلصين.
فها هو ذا عبدالعزيز يعزم على استرداد ملك آبائه واجداده واصر على تنفيذ قراره باستعادة الرياض، أخذ يستجدى موافقة والده للسماح له بذلك الى ان وافقه ولكن والده اشترط عليه في حالة انتصاره واستعادة الرياض ان يبقى هو - اي عبدالعزيز- حاكما عليها.
وبعد حصوله على موافقة والده كان عليه ان يستشير مضيفه الشيخ مبارك الصباح في هذا الامر الخطير والذي بدوره كان مقتنعا بالفكرة فشجعه وقدم له بعض المعونة ثم انطلق عبدالعزيز ورفاقه الى الرياض حيث وصل اليها رابع ايام عيد الفطر المبارك من عام 1319هـ فهاجم المصمك واستولى عليه واصبح سيد الرياض في اليوم الخامس من شهر شوال عام 1319هـ وكانت بداية الانطلاقة لتوحيد شمل الجزيرة واللبنة الاولى في بناء هذا الصرح الشامخ. واستمر عبدالعزيز في مشاوراته في جميع شؤون الدولة العسكرية والسياسية والمالية وحين دخول مكة المكرمة عام 1343هـ حرص السلطان عبدالعزيز على استمرار عجلة الادارة وتسيير شؤون المسلمين باحسن الاساليب لا سيما وان لمكة المكرمة مكانتها الدينية الخاصة، لذلك نجده يدعو الى عقد اجتماع في الثاني عشر من جمادى الاولى عام 1343هـ لاستشارة اهل الحل والعقد ولكي يوضح سياسته الحكيمة وثقته الكبيرة في ابناء هذا البلد وزع بلاغا يعد دستورا ومنهاجا وتقريرا لمبدأ الشورى لمن في مكة وضواحيها من سكان الحجاز الحاضر منهم والباد: نحمد اليكم الله الذي لا اله الا هو رب البيت العتيق ونصلى ونسلم على خاتم انبيائه محمد صلى الله عليه وسلم.
وها نحن اولا بعد ان بلغنا حرم الله نوضح لكم الخطة التي سنسير عليها في هذه الديار المقدسة لتكون معلومة عند الجميع فنقول:
1/ سيكون اكبر همنا تطهير هذه الديار المقدسة.
2/ سنجعل الامر في هذه البلاد المقدسة - بعد هذا - شورى بين المسلمين وقد أبرقنا لكافة المسلمين في سائر الانحاء ان يرسلوا وفودهم لعقد مؤتمر اسلامي عام يقرر شكل الحكومة التي يرونها صالحة لانفاذ احكام الله في هذه البلاد المطهرة.
3/ ان مصدر التشريع والاحكام لا يكون الا من كتاب الله ومما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام، او ما اقره علماء الاسلام الاعلام بطريق القياس او اجمعوا عليه مما ليس في كتاب ولا سنة، فلا يحل في هذه الديار غير ما احله الله، ولا يحرم منها غير ما حرمه.
4/ كل من كان من العلماء في هذه الديار او من موظفي الحرم الشريف، او المطوفين ذي راتب معين، فهو له على ما كان عليه من قبل ان لم نزده فلا ننقصه شيئا، الا رجلا اقام الناس عليه الحجة انه لا يصلح لما هو قائم عليه فذلك ممنوع مما كان له من قبل وكذلك كل من كان له حق ثابت سابق في بيت مال المسلمين اعطيناه حقه ولم ننقصه منه شيئا.
5/ لا كبير عندي الا الضعيف آخذ له الحق، ولا ضعيف عندي الا الظالم حتى آخذ الحق منه، وليس عندي في اقامة حدود الله هوادة، ولا يقبل فيها شفاعة فمن التزم حدود الله ولم يعتدها فأولئك من الآمنين ومن عصى واعتدى فإنما اثمه على نفسه ولا يلومن الا نفسه، والله على ما نقول وكيل وشهيد.