السؤال الذي يتعين على المسؤولين الامريكيين والمنظمات الدولية ان تطرحه عند اعادة بناء العراق هو .من أين نبدأ...
فالقصف الامريكي البريطاني دمر المطارات والجسور والمستشفيات وشبكات الهاتف وتعطلت الزراعة وتوقفت المدارس وسمحت قوات الاحتلال بتخريب شبكات الكهرباء ونهب المصارف والمؤسسات الحكومية والمصانع والقائمة لا تنتهي.
ولا تتضمن تلك القائمة مشكلات اخرى عميقة كامنة مثل الحاجة الى اصلاح العملة العراقية والنظام القانوني واعادة بناء قوة شرطة وخدمة مدنية وجميعها امور ضرورية لتشغيل مجتمع حديث بسلاسة.
وفي الجانب المشرق لم يلحق بالبنية الاساسية النفطية سوى اضرار قليلة جدا اثناء الحرب وبدأ استئناف الانتاج.لكن صناعة النفط تراجعت بشدة خلال 24 عاما من حكم صدام حسين وتحتاج الى استثمارات كبرى.
وطبقا لاحد التقديرات فان عائدات النفط السنوية مقدرة باسعار 2000 تراجعت من 8ر57 مليار دولار في عام 1980 الى 7ر15 مليار دولار قبل الحرب.
ورغم ان العراق يملك ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم الا انه اصبح موطنا للفقر في عهد صدام حيث يعتمد 60 بالمئة من سكانه على معونات غذائية انسانية ويرجع ذلك جزئيا الى العقوبات الاقتصادية التي فرضت بعد غزو الكويت عام 1990. وكتب وليام نوردوس استاذ الاقتصاد في جامعة ييل في دراسة حديثة ان العراق في عهد صدام عانى من واحدة من حالات التراجع الاقتصادي الاكثر كارثية في التاريخ المعاصر حيث تراجعت مستويات المعيشة بنسبة 90 بالمئة خلال 23 عاما. كما يعاني البلد من مديونية خارجية كبيرة. وتتراوح التقديرات بين مائة مليار و180 مليار دولار مستحقة لحكومات اخرى ومئات المليارات مستحقة لشركات وافراد.
قال كولن سكوت الذي يدير صندوقا في البنك الدولي لتمويل الاعمار بعد الحرب والمشارك في جهود الاعمار في البوسنة وتيمور الشرقية اولويات. في وضع كهذا كل شيء يصبح اولوية. ومضى يقول من واقع خبرتي فان اتجاهات البوصلة الاربعة هي الامن والادارة والاستقرار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. ولا بد من التصدي لها جميعا. لابد وان تبذل شيئا قليلا في كل اتجاه وان تستمر في التحرك على الجبهات كلها. والهدف السياسي للاعمار كما حدده الرئيس الامريكي جورج بوش في كلمة في 26 فبراير شباط قبل الحرب بفترة قصيرة هو بناء عراق ديمقراطي.
غير ان نانسي سودربرج عضو مجلس الامن القومي الامريكي السابقة تقول انه لا يوجد اهداف محددة لاعادة اعمار العراق ماديا.
وقالت لم يقل احد ان كنا نعيد بناء العراق لاعادته الى مرحلة ما قبل فرض العقوبات في عام 1991 ام اننا نصلح وحسب الضرر المترتب على الحرب الاخيرة. واضافت في النهاية من المحتمل انهم سيحاولون فقط اصلاح بنية اساسية عراقية تكفي لان يكون البلد مكتفيا ذاتيا. ومن الطبيعي ان ما سيتم عمله يعتمد على حجم الاموال المخصصة للانفاق. وتتراوح التقديرات من 20 مليار دولار في السنة لتصل الى حوالي 605 مليارات دولار خلال عشر سنوات حسب تقدير نوردوس. لكن نظرا لان الموازنات في الولايات المتحدة وفي العالم الصناعي تعاني من عجز فمن المحتمل ان ينتهي الانفاق على اعمار العراق وما يترتب عليه عند حده الادنى.
ومنحت الوكالة الدولية للتنمية وهي جهة حكومية امريكية لمجموعة بكتل الامريكية للمقاولات ومقرها سان فرانسيسكو اول عقد كبير لبناء البنية الاساسية تشمل اصلاح مطارات وضمان توفر مياه الشرب واصلاح محطات الكهرباء واعادة بناء طرق ومدارس ومستشفيات وشبكات ري. وقد ترتفع قيمة العقد الى 680 مليار دولار على مدى 18 شهرا.
قال جي. برايان اتوود رئيس الوكالة الدولية للتنمية السابق ان الهدف الرئيسي هو اعادة العراق الى ما كان عليه قبل الحرب او الى وضع افضل في غضون عامين. لكنه اشار الى ان التقدم الى ابعد من ذلك يعتمد على العراقيين انفسهم وبناء نوع من الاطار السياسي والقانوني الحر يمكن ان يتحقق فيه تقدم اقتصادي.
وقال يمكن القاء قدر كبير من الاموال في محطات معالجة مياه الصرف والكهرباء والمطارات والطرق ويمكن انجاز المهمة. لكن دون مشاركة العراقيين واحساس العراقيين بالملكية سينهار كل شيء بمجرد انتهاء الاحتلال الامريكي. ويحتل اصلاح شبكات مياه الشرب والصرف الصحي واعادة تشغيل الزراعة العراقية مرة اخرى الاولوية. وهناك نحو خمسة ملايين عراقي مهددون نظرا لعدم توافر مياه نظيفة او صرف صحي. والوضع اسوأ في المناطق الريفية حيث مخاطر الاسهال والمياه التي تحمل الكثير من مسببات الامراض.
وحسبما تشير دراسة حديثة لمجلس العلاقات الخارجية فان ما بين 25 و35 بالمئة من العراقيين يعتمدون على الزراعة.
ورغم هذا فان نصف الاراضي الصالحة للزراعة في العراق غير مستغلة. وتهاوت شبكات الري وبات من المتعذر اصلاحها ولم تتم صيانة محطات تحلية المياه واستنزف المقربون من صدام حسين كثيرا من الاموال المخصصة لشراء بذور ومعدات ورؤوس اموال.