كانت ولادة الثورة الصناعية في أوروبا في القرن التاسع عشر نتيجة لجهود كبيرة بذلها المفكرون الأوروبيون منذ بداية القرن السادس عشر، و مع ظهور هذه الثورة بدأ الإنتاج الصناعي الذي تشكلت على إثره ملامح جديدة للعالم، الا أن نتائج الثورة الصناعية لم تظهر بشكل واضح إلا في القرن العشرين حيث حدث انفجار ديموغرافي كبير، و زيادة كبيرة في أعداد السكان أدت الى الاعتداء على البيئة الطبيعية من اجل توفير البناء و انقراض أنواع كثيرة من الحيوانات و النباتات، كما تسبب انبعاث الغازات السامة كغاز ثاني أوكسيد الكربون نتيجة احتراق الوقود الاحفوري في المصانع و المركبات الآلية إلى ظهور ما يعرف بـ (ظاهرة الاحتباس الحراري.)
تناول مؤتمر أبو ظبي للبيئة والطاقة موضوع البيئة وتأثرها بعوامل التلوث العصرية والازمات الناجمة عنها، وضمن هذا الاطار نظم مركز زايد للتنسيق والمتابعة في أبو ظبي ندوة تحت عنوان (قراءة في إعلان أبوظبي حول البيئة والطاقة 2003)، شارك فيها وفد يتكون من ممثلي الأمم المتحدة في مجال البيئة و عدد من الخبراء في مجال الطاقة، تناولوا فيها ضرورة العمل على تعزيز المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات ورجال الأعمال لكي يكونوا جزءا من الحل في مواجهة التحديات التي تطرحها العولمة ولتحقيق عالم أفضل، ولتمكين القطاع الخاص من المشاركة مع الأطراف الاجتماعية الفاعلة في تجسيد رؤية الأمين العام بقيام اقتصاد عالمي يتسم بمزيد من الشمولية والاستدامة، والدعوة الى مشاركة الشركات من جميع مناطق العالم والقوى العاملة الدولية ومنظمات المجتمع المدني في الاتفاق العالمي.
وأوضح الدكتور فريدريك دوبيي الخبير البيئي في نيويورك وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ان فكرة الاتفاق العالمي ظهرت لأول مرة في كلمة وجهها الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 1999، وتجمع هذه المبادرة بين الشركات ووكالات الأمم المتحدة والقوى العاملة والمجتمع المدني لدعم المبادئ العالمية والوثائق الدولية في مجالات حقوق الإنسان والقوى العاملة والبيئة برؤية مستقبلية منفتحة.
وأشار إلى أن هناك نوعين من الشركات و رجال الأعمال في العالم، نوع يريد تجميع الأموال والنوع الآخر يضع العالم في حسابه بتعداد الستة مليارات نسمة و يسعى للتوسع معهم، مضيفا أن التأثير العالمي ليس مجرد عملية معايير أو قواعد أو أحكام، بل مشاركة في العمل من اجل تحقيق قيم معينة تؤدي إلى عالم افضل . وأضاف الدكتور فريديرك أن المؤسسات غير الحكومية تساهم بشكل كبير في المشاريع المتعلقة بالبيئة داعيا الى تعزيز الشراكة بين رجال الاعمال والمؤسسات و الاكاديميين .
واكد المسؤول نفسه أن السلام يرتبط بشكل مباشر بالتنمية، حاثًا رجال الأعمال على العمل باتجاه تضييق الفجوة بين الاغنياء و الفقراء.
من جهة أخرى ، قال المهندس نيفل نيستون المدير الفني بشركة شل العالمية للطاقة إن هذه الشركة التي تعمل على تنمية مناطق الغاز في أبو ظبي تقدم 4% من إنتاج الطاقة في العالم، و إنه علينا مسؤولية لتقديم العون للدول النامية في الأخذ بمقتضيات البيئة وتقاسم الثروات لتحقيق التنمية المستدامة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي عوامل مرتبطة ومتداخلة.
وأضاف :إن شركة شل تحاول مواجهة الاحتياجات المتزايدة على الطاقة، حيث ستظل المواد الهيدروكربونية عنصرا أساسيا للطاقة لسنوات قادمة، لافتا إلى ضرورة زيادة كفاءة وتفعيل التدابير البيئية على المستوى المحلي .
من جانبها أكدت الدكتورة عزة مرسي المديرة في برنامج الامم المتحدة للتنمية الصناعية في فيينا بالنمسا، أهمية إعلان أبوظبي للبيئة والطاقة مشيرة الى أن هذا الإعلان يعكس العناية الكبيرة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالبيئة و الذي برزت تجلياته في المستوى البيئي من خلال الاهتمام بمعالجة مشكلة التصحر و إقامة المحميات الطبيعية و ترشيد استخدام المياه، معتبرة ذلك نقطة تحسب لصالح التنمية المستدامة.
ورأت أن ما تم التوصل إليه خلال مؤتمر أبوظبي هو بمثابة خطوة مهمة لتنفيذ عمل بيئي مستمر لاسيما أن موضوع البيئة لا تحكمه اتجاهات سياسية وإنما فنية، مؤكدة ضرورة التركيز على التوعية البيئية عند النشء، ولافتة إلى أهمية اهتمام الدول المنتجة للنفط بالصناعات النظيفة خاصة أنها مطلوبة عالميا.
ودعت إلى ضرورة تنفيذ الاتفاقيات الدولية الخاصة بالبيئة و الالتزام بها، ذلك أن البيئة ليست اتجاهات سياسية و فنية و إنما إحساس بالأمان.
وحول تبني الامم المتحدة اعلان ابوظبي للبيئة والطاقة، قالت إن الاعلان مازال جديدا ويحتاج الى دراسة و توصيات، مؤكدة أن مكتب الامم المتحدة لحماية البيئة يدعم أية اتجاهات ايجابية في هذا الخصوص، و أن الامم المتحدة تبذل مجهودات كبيرة لمنع الصراعات في العالم و تقريب وجهات النظر.
و اضافت إن الامم المتحدة تسعى الى منع انتشار الحرائق و تجنب أسباب ذلك من خلال الوعي البيئي وتقليل الملوثات والانبعاثات التي تدمر الطبيعة.
من جهة أخرى، قال محمد محمود مستشار وزير الدولة المصري لشؤون البيئة مدير عام الإعلام و الثقافة البيئية في مصر، إن الحركة البيئية في العالم العربي برزت بشكل حاد في السنوات التسع الأخيرة، مشيرا إلى أن الجامعة العربية ومجلس وزراء البيئة لعبوا دورا هاما للتوصل إلى موقف عربي موحد ظهر وتبلور في مؤتمر التنمية المستدامة في جوهانسبورغ والذي أخذت فيه مسألة الطاقة جانبًا كبيراً من الجدل، وهو ما يعد تطورا كبيرا في العمل العربي البيئي على أعلى المستويات منذ قمة استوكهولم في 1962.
وقال إن إعلان أبو ظبي يطرح ثلاثة محاور أساسية، تتمثل في تنمية البحث العلمي ومحاولة جذب التمويل له والوصول إلى حلول علمية عربية مشتركة، والربط بين الشركات العربية في مجال الكهرباء والغاز والبترول، إلى جانب الوقوف عند التعامل المزدوج مع مصادر الطاقة الذي تبديه أوروبا وأمريكا بتقديمها 18 مليار دولار كدعم للوقود الاحفوري وفرضها ضرائب على البترول.
وأكد أن الموقف العربي الموحد بحاجة إلى تفعيل عبر آليات ووسائل تحقق التنمية المستدامة لاسيما أن برامج ترشيد الطاقة في العالم العربي في مراحلها الأولى، موضحا أن النجاح في صياغة وعي بيئي عربي على مستوى صناع القرار يتطلب نشر وتعزيز الوعي البيئي والمشاركة الشعبية لتحقيق التنمية الوطنية دون إلحاق ضرر بالبيئة، وهو ما يحتاج إلى فترة من الوقت.
وأوضح أن وسائل الإعلام العربية المقروءة والمسموعة والمرئية تعتبر أحدى الآليات لنشر الوعي البيئي عبر برامجها الإعلامية، وأن ما يزيد من فاعليتها وجود كوادر إعلامية بيئية متخصصة، مطالبا وسائل الاعلام العربية المشاركة بصورة اكثر جدية لصياغة الوعي البيئي في خططها الحالية في مواجهة عالم لا يرحم. وقال الدكتور عماد الطاهر رئيس قسم البيئة في بلدية أبو ظبي، إن دولة الإمارات تصون بيئتها من خلال تطبيق سياسات تتعاطى مع نشر الوعي البيئي في كل المستويات الثقافية و تفعيل المواصفات البيئية في المجالات المختلفة، والسعي إلى أن وضع التربية البيئية ضمن المناهج التربوية لتكون منهجا علميا في الحياة.
واعتبر أن إعلان أبو ظبي جاء شاملا لجميع قضايا التنمية والطاقة، غير أن تنفيذ السياسات البيئية يجب أن ينعكس إيجابيا على تحسين نوعية حياة الإنسان العربي، موضحا أن هناك فجوة في استخدام المواصفات البيئية بين الدول العربية بسبب عدم تفعيل هذه المواصفات للتجاوب مع التحديات البيئية.