ولان الحكمة ضالة المؤمن انى وجدها فهو احق بها، ولا غضاضة في اخذها من اي كان ولو كافرا, لذا فانني اجد نفسي مرغما للتفكير في شأن تلك الدويلة التي لم تكن ذات ماض يذكر فهي بحق عديمة الجذور منبتة الاصول! امريكا، هذه الدولة الحاضرة في ذهن العالم بأسره شاء ام ابى! كيف لا، وهاهي دولة من اقصاه الى اقصاه، تهابها ولو اجتمعت ضدها ما اغنى عنها اجتماعها شيئا قوة مادية صناعية عسكرية ضاربة، قد اخذت بالاسباب التي سنها الباري جل جلاله فكان لها ماكان من مكانة لاتخفى.
نعم، من تلكم الاسباب التي جعلتها في عالم الصناعة والانتاج الفائق التقانة انموذجا يحتذى، انها فتحت ابوابها مشرعة لكل من اراد هجرة اليها وافادت منهم جميعا كما استفادوا منها، غير انها باستقطابها لذلك الكم الكبير من الوافدين لم تكن غافلة عن احوالهم وامكاناتهم العقلية والعلمية والفنية، فكان ان اغرت النابهين منهم في كل قطاع وتخصص ومجال بالمكث لاكمقيمين بل كمواطنين لهم كامل الحقوق وذلك بمنحهم ـ لمن اراد منهم وما اكثرهم ـ الجنسية الامريكية.
لك ان تدخل اي منشأة صناعية او علمية او فكرية كبرى ستجد هناك بالتأكيد عددا قل او كثر من عقول جبارة تسهم بدور فاعل في تلك الاماكن الحضارية، وهم من اصول لن يحير البصر في معرفتها، فذا وجه شرق آسيوي لايخفى، وذاك عربي الملامح واخر من اصقاع اخر، كلهم قد تم صهرهم في بوتقة الامة الامريكية، ارضعتهم قيمها ومبادئها واغدقت عليهم بما لايحلمون به في مواطنهم الاصلية واحتضنت اسرهم وعملت البدع دمجا لهم في المجتمع حتى باتوا وهم لايلوون على بذل الغالي من الجهد العملي في سبيل رفعة من اقامت لقدرهم شأنا! وعلى الرغم من كل تلك المكانة التي تبوأتها امريكا على المستوى العالمي، الا انك تجد انها لما تزل تبحث عن اي طاقة هنا او هناك من خلال اعلانات مدفوعة الاجر في صحف ذائعة الصيت لمن ترغب هجرة اليها بغية استقطابها والافادة القصوى منها وامركتها!.. انني استحضر كل ذاك، وانا ارى كما من الاخوة العرب الوافدين عندنا، وبعضهم اصحاب تخصصات علمية ومهنية وفكرية منشودة على النطاق العالمي، بلغوا الغاية في تلك المجالات، تتشرف حقيقة بتواجدهم بين ظهرانيها اي دولة مهما عظمت، ارى تلك الكفاءات التي ستغادرنا يوما ما، واتحسر عليها واتمنى من كل سويداء قلبي لو اسبغ عليها صفة المواطنة توطينا لها وللعلم الذي تحمله بين جنباتها. اننا سنحقق من وراء ذلك مايلي: اولا: الافادة من تلك الكفاءات من ناحية الاداء الفردي لها، ثانيا: الاستفادة القصوى منها في ايجاد قاعدة وطنية من الكفاءات الشابة في مجال التخصص، وهذا سبيل لتوطين العلوم والمعارف، خصوصا في ظل احوال كالتي نعايشها الآن من صعوبة الابتعاث الى الخارج بسبب تعرض الطلبة هناك الى مضايقات وممارسات مهينةّ!.. ثالثا: من الممكن الافادة من تلك الكفاءات التي تقلبت هنا وهناك في دول العالم واضحت تملك مخزونا معرفيا وعلميا ومهنيا كبيرا، في التأسيس لمراكز بحوث متخصصة، وكم نحن بحاجة ماسة لمثل تلك المراكز دفعا للعملية الانتاجية في كل قطاع ومجال.
انني ارى ـ ولا املك ارغام احد على اعتقاد ما أراه ـ ان صفة المواطنة جدير بها اولئك المنتجون والباذلون قصارى الجهد في سبيل تطوير البلد كل في مجاله ومكانه، ولو كانوا من حاملي الجنسيات الاخرى، على حين انها ابعد ماتكون عن اولئك العالة على بلدهم الذين يأخذون اكثر مما يعطون ويعملون! أويستطيع احدنا انكار الدور الذي قام به اولئك الوافدون في بداية تكوين الدولة وهم اخوة لنا من ديار حدودية، من تأسيس كيانات تجارية وصناعية عملاقة كان لها اسهام كبير في دفع العجلة التنموية!. الم يندمج هؤلاء في المجتمع فاضحوا منه بمكان كما البؤبؤ من العين! او لم يكن اسباغ صفة المواطنة على هؤلاء (باعطاء الجنسية) امرا حميدا! افاد منه البلد، وهاهي اجيالهم اللاحقة المواطنة مولدا تكمل مسيرة آبائها في البناء والتعمير والتطوير! الا يمكن وبعد نجاح هذا النهج، ان نكمل المسير في هذا الاتجاه، ليشمل الاستقطاب اهل التخصصات العلمية والتقنية من اخواننا العرب!.. امل اتمنى رؤيته واقعا، ولا املك الا رفعه لقادة البلد الكرام، فهم المخولون بكل مامن شأنه مصلحة البلاد والعباد، وهل قلت غير ذلك، اتمنى الا!.