يبدو ان المعايير التي نقيم بها ملوثات البيئة عندنا تختلف من مكان لآخر، بل في المكان الواحد، وخصوصا بعد أن اهملت الجوانب العملية في عملية التقييم المحايد واستبدلت برؤى شخصية متغطرسة، ومؤخرا ذاتية مفصلة بالمقاس التي تريده الشركات والمؤسسات المتسببة. ايا كانت فهي تصب في مصلحة من ادعوا انهم اصدقاء للبيئة وان بلاويهم والعياذ بالله من انظف (البلاوي) وفي هذا هم يسلكون الطرق الملتوية والمقززة التي اعتاد بارونات التبغ اتباعها لدحض اي ادعاء او نظرية تربط بين التدخين وامراض السرطان والجهاز التنفسي، ولو ادى الامر الى دعم بعض الابحاث المزعومة التي تدحض المنطق.
ان المتتبع لاخبار المسؤولين عن حماية البيئة والخطوات (الحلم) الجريئة التي وضعوها ضمن اجندتهم الطويلة لجعل هذه البلاد العزيزة (يحفظها الله من كل مكروه) نظيفة بيئيا وفي المقابل التصريحات الصحفية لاحد المسؤولين عن كبريات المصانع المتهمة بالتلوث البيئي يجد تناقضا لا تناغما يزيد من اتساع الفجوة بينهما على سبيل المصلحة العامة، بل يرى ان الفئة الاخيرة اتبعت مسلك فتوة عضلات الانجازات واللعب بسحر الارقام الربحية الآنية على سبيل تعاسة المتضررين صحيا في المدى البعيد والذين ستتزايد اعدادهم وسيكلفون الدولة مبالغ طائلة لا مبرر لها سوى الجشع والانانية من اصحاب هذه المصانع والمساهمين فيها.
الاسبوع الماضي شهد مفارقة صحفية عجيبة لخبرين منفصلين نشرتهما (يومنا) يتعلقان بموضوع ملوثات المصانع احدهما احتل مكانا بارزا بل في ملحق الاقتصادية ظهرت فيه لاءات كبيرة تدعم بقاء احد المصانع التي كان يجب رحيلها منذ عدة سنوات (عدد يوم السبت) وآخر بالكاد يلحظه القارىء لصغر حجمه مفاده اغلاق 24 مصنعا للجبس بمحافظة جدة (عدد يوم الاثنين).. لا ادري ان كانت بلدية المطار التابعة لامانة محافظة جدة قد استخدمت المناظير الليلية عندما قررت اغلاق ذلك العدد الكبير من مصانع الجبس التي تقع داخل الاحياء للتأكد من ان هذه المصانع مصادر تلوث رئيسية للبيئة وسط مخاوف السكان الذين يحيطون بها.. واقع الحال لا يتعدى كون انها (اي البلدية الفرعية) استخدمت قوة بصيرة مفتشيها الذين آلمهم ما يشاهدونه من معاناة السكان بوجود هذه الملوثات (اقصد المصانع) وخطرها الآني والمستقبلي فكتبوا تقارير عقلانية وواقعية وبما تمليه عليهم ضمائرهم (وهو الاهم، خصوصا ونحن نعيش في عالم المصالح الشخصية) ادت الى اخذ قرار جرىء بازالتها نهائيا وتخليص السكان من مخاطرها.
يبدو ان الحال هنا، وتحديدا في حاضرة الدمام كتب له ان يظل مجالا للمناظرات الصحفية وبعيدا عن اتخاذ خطوات عملية جريئة مثل تلك التي اتخذتها بلدية المطار بمحافظة جدة فيما يتعلق بالملوثات وخطرها على السكان الى ان ترتفع نسب الاصابات بامراض الصدر والسرطان الى حالة حرجة، وبعدها ربما نكرر مسلسل دراسة الاسباب (من خلال لجان جديدة تضم اصحاب العلاقة وطبعا باستبعاد السكان المتضررين) متناسين جميع المؤشرات العلمية والظواهر الملموسة وآخرها ماحدث في اجازة عيد الفطر الماضي عندما استقبلت المستشفيات والمراكز الصحية في الحاضرة عددا من الحالات غير الاعتيادية بامراض الصدر وضيق التنفس. شخصيا، سوف افكر في الطرق القانونية و الشرعية لمحاكمة المتسببين في اي ضرر يتعرض اليه افراد عائلتي مستقبلا ـ لا سمح الله ـ جراء استمرار هذه الملوثات بدءا بطرق باب مجلس الامن بعد ان تعود اليه عافيته التي سلبت قهرا من قبل بعض ابنائه (الكبار) المارقين، وبعد ان تصبح الجامعة العربية عضوا دائما في مجلسه الموقر وتستمتع بحق شرب الفيمتو بكامله، وانتهاء بتقديم شكوى لبلدية الراكة الفرعية ليس طمعا في كرم توقع اتخاذها قرارا جريئا باقفال مصنع (........) ولكن كي تدعم موقفي في طلب نقلي من السكن الحالي الى ابعد نقطة لا تصلها ملوثات المصانع المحيطة بي ولو ادى الامر الى تحمل هذه المصانع تكاليف سفري جوا من والى عملي يوميا وعلى الدرجة الاولى غير المخفضة نكاية بهم وردعا لامثالهم.