أخبار متعلقة
عندما يصاب الإنسان بأزمة قلبية حادة ـ لا قدر الله ـ فانه على أثرها يدخل غرفة الرعاية المركزة, ويعلم الله هل يخرج منها ام يفارق الدنيا كلها.
كذا حال المسرح في مصر, والذي طالما امتع اجيالا واجيالا. منذ بدايته على يد رواده عزيز عيد وجورج أبيض ويوسف وهبي وبديع خيري والكسار مرورا بعبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس وعادل إمام, فنجده الآن مصابا بأزمتين حادتين, فأخذ يفتح ابوابه يوما او اثنين اسبوعيا بعد ان كان مرحبا بالجمهور طوال أيام الأسبوع, اولاهما (نصية) وثانيهما (جمهورية) والاثنتان مرتبطتان ببعضهما بعضا, فلو حاولنا ترتيب الأوراق, وتفسير هذا الواقع الباعث على الحسرة على حال هذا المسرح العظيم والذي تبكي خشبته على ما آل اليه. لوجدناه كالتالي:
الأزمة الأولى: النص: أصبح كل ما يكتب خارج نطاق الخدمة, فأغلب الموضوعات تتميز بشكل عام بالسطحية والبعد عن الواقع (الفنتازيا) رغم اختلافها او حتى تشابهها. وكذلك الابتذال ولذلك أصبح كتاب المسرح في مصر قلة لا تكاد تتعدى أصابع اليدين, ومن دخل اللعبة حديثا لا يمتلك أدوات الكاتب المسرحي الذي يعرف من أين تؤكل الكتف, فيقدم الموضوعات الجاذبة للجمهور مما يجبره على النزول من بيته ويذهب لشباك التذاكر ليدفع مئات الجنيهات في عمل يجد فيه ضالته وما يمتعه فيشبع حالته المزاجية التي بسببها يدخل ويشاهد هذه المسرحية.
وبالطبع لا يتحمل المؤلفون وحدهم هذه المسؤولية لكنها مشتركة, فالنجوم ايضا عليهم ان ينتقوا الأعمال المتميزة والتي تضيف لأرصدتهم: فتحتوي على القيم والمبادىء بالفعل, وليس كما يقول البعض (نحن نقدم قيما ومبادئ)بالتأكيد هناك تجارب جيدة ومتميزة, مثل مسرح الفنان محمد صبحي والذي ملأ مسرحه فعلا بالقيم والمبادىء واحترام عقلية المشاهد فيما يقدمه من خلال تجربة مهرجان المسرح للجميع على غرار مهرجان القراءة للجميع.
فحقق المعادلة الصعبة التي هي (تخفيض سعر التذكرة + قيمة + متعة + جمهور) وبالتالي وكذلك مسرح النجم عادل إمام الذي يقدم فيه اعمالا متميزة بها مزيج بين القيمة والمتعة. وفي بعض الأوقات مسرح جلال الشرقاوي.
الأزمة الثانية: الجمهور: فالجمهور هو المترجم لجودة العمل فلو قدم ما يحترم عقليته ويمتعه وبسعر مخفض للتذكرة تتحقق المعادلة التي ذكرناها سابقا, فمثلا الجمهور من اشقائنا العرب خفت قدمه عن المسرح مؤخرا, وليس كما سبق من مواسم.
ورغم ان الوضع الحالي لا يبعث على الاطمئنان على حال المسرح مستقبلا, إلا ان الأزمات تليها دائما نجاحات, فهناك حالة من الأمل والتفاؤل في مستقبل أفضل للمسرح من خلال:
أولا: الاهتمام بالكتاب الشباب ممن يحاولون بقدر الامكان اكتساب خبرات ومهارات وفنيات الكتابة المسرحية. ثانيا: تخفيض النجوم اجورهم ليتمكن المنتجون من اختيار الأعمال المتميزة وليس الأعمال التجارية البحتة, والتي تعتبر من أهم أسباب هذه الأزمة ايضا فيختاروا الأعمال التي تضيف لرصيدهم وهذا لا يمنع ان المنتجين هم من أهم أسباب الأزمة.
وثالثا: تخفيض رسم الدخول ليتمكن قطاع عريض من الجمهور من الحضور وبالتالي انعاش الحركة المسرحية ومن هنا سوف يعود المسرح لسابق عهده فيفتح ابوابه على مدار الأسبوع ويفرغ للفن اجيالا وأجيالا كما هي عادته. ويجب الا نظلم الجيل الحالي او نتحامل عليهم سواء هنيدي او السقا او هاني او آدم لان ملامح شخصيتهم المسرحية واختياراتهم لم تتضح بعد لكنهم وضعوا أنفسهم على الطريق الصحيح بتقديم اعمالهم في ظل المجموعة حتى بعد شهرتهم وانتشارهم فيبقى ان نحكم على كل منهم بعد ان يتحمل عبء العمل بمفرده, ففيهم الأمل في عودة الروح للمسرح (الجمهور) ومن يليهم من أجيال.
وبالطبع هذا عن القطاع الخاص وليس القطاع العام.
عادل امام