جاءت حكومة (أبو مازن) بعد تعسر طويل من الحسابات السياسية التي تقاطعت فيها المصالح الفلسطينية مع المصالح الدولية، ولعل اعلان الحكومة بمثابة تدشين منعطف سياسي جديد للشعب الفلسطيني يتمثل في اعطاء فرصة لقوى الاعتدال لممارسة دورها الطبيعي في مرحلة الاستحقاقات السياسية بعد ضغوط كبيرة تعرضت لها القيادة الفلسطينية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية من أجل اعطاء خطة خارطة الطريق الوقت اللازم من التقدم.
يدرك الرئيس عرفات ومحمود عباس رئيس الوزراء الجديد ان الأهم في هذا الوقت هو التعامل مع خطة (خارطة الطريق) بوعي سياسي جديد متحرر من عقد الاخفاقات السابقة للحلول السياسية التي تمثلت في اتفاقيات لم يتم الالتزام بها من قبل الحكومات الاسرائيلية وهي التي نظرت للاتفاقيات من جانبها الأمني فقط مما أحدث هوة عميقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ان تركيز الحكومات الاسرائيلية على الواقع الأمني وتجاهل المسار السياسي المتعلق بإيقاف وإزالة المستوطنات والسيطرة على الموارد المالية للفلسطينيين اعطى الشعب الفلسطيني شعورا بالضيم والحنق على الادارة الأمريكية التي تناصر اسرائيل بالمطلق دون بصيرة بما يجره ذلك من كره فلسطيني وعربي واسلامي.
نأمل أن تدرك القيادة الفلسطينية رياح التغيير في المنطقة وتأثيراتها المستقبلية وهي التي عركت الهزائم والنكسات وبعض الانتصارات. ان التعاطي مع خارطة الطريق يجب ألا يخضع للحسابات الآنية الضيقة وألا يصبح التكتيك السياسي بديلا عن الاستراتيجية والهدف النهائي والمتمثل في إقامة دولة فلسطينية لها دستورها وحدودها وهويتها الوطنية.
الرئيس عرفات وأبو مازن والمجلس التشريعي يدركون هذه الحقيقة بعد تجاربهم المريرة مع العنف والتصلب الاسرائيلي.