تسعى الأمم المتحضرة والأمم الآخذة طريقها نحو التحضر الى ايجاد المدن الراقية ذات الطابع الحضاري، ولا يمكن ان توصف مدينة من المدن بهذا الوصف الا اذا توافرت خصائص معينة ويمكننا ان نتطرق الى بعضها في السياق الآتي:
اولا: اكتمال البنية التحتية كالطرقات والشوارع والميادين المعبدة والمشجرة ووجود ارصفة المشاة ومواقف السيارات وطرق خاصة بالمشاة واخرى لمستخدمي عربات المعوقين وغير ذلك من الامور التنظيمية المختلفة.
ثانيا: وجود وسائل المواصلات الحديثة كالحافلات والقطارات التي تسهل مهمة تنقل مواطنيها في داخل المدينة وتسهل سفرهم منها الى مدن اخرى او المجىء اليها.
ثالثا: وجود الخدمات الضرورية كمراكز العلاج ومراكز الخدمات البريدية وشبكات الكهرباء والماء والهاتف والصرف الصحي وغيرها من الخدمات بالاضافة الى وجود اماكن سياحية يرتادها قاطنو هذه المدينة او من يزورها كالحدائق والمنتزهات وما تتميز به من آثار ومواقع أثرية طبيعية وحضارية. رابعا: ان تكون مرافقها التعليمية تفي بمتطلبات الحاجة الملحة لسكانها كوجود التعليم الجامعي والمعاهد المتخصصة الى جانب التعليم الاساسي مما يضفي على هذه المدينة اكتمال ضروريات كونها مدينة حضارية راقية.
خامسا: وجود الاندية الثقافية والاجتماعية والرياضية المزودة بكافة مستلزمات النشاط وتعمل وفق منهج علمي مدروس ووفق نهج يحقق طموحات منسوبيها من الرجال في انديتهم والنساء في انديتهن الخاصة بهن.
سادسا: وجود جمعيات ذات طابع انساني تقدم الخدمات الانسانية الميسرة لمن يحتاجها كجمعيات البر واصدقاء المرضى وجمعية اصلاح ذات البين وجمعيات مساعدة الغير للحصول على حقوقه التي قد تتعرض للأذى والانتهاك وجمعية الرعاية بالمسنين وجمعية العناية بالموهوبين وغيرها.
ولكن ما الكيفية التي يمكن ان تتحقق عن طريقها هذه الخصائص وغيرها من الامور الاخرى؟.
وللاجابة عن مثل هذا السؤال او التساؤل فاننا نجد ان ذلك يتحقق بوجود النية الصادقة المتمثلة بالعمل الدؤوب المتسلح بالايمان بقيم ديننا الحنيف دين الاسلام والذي ينص في تعاليمه على ان تكون الشفافية هي رائدة كل عمل خلاق ومن هنا يتوجب وجود متطلبات العمل الاخرى وهي في اعتقادنا ما يلي:
اولا: ان يكون على رأس الجهاز البلدي لهذه المدينة مواطن من مواطني هذه المدينة لمتطلبات المعرفة التامة بجغرافية وبيئية المنطقة وامكانية مد الروابط والجسور مع الافراد والمؤسسات الخاصة الذين يملكون المقدرة المادية والمعنوية للمشاركة المباشرة وغير المباشرة في تطوير الخدمات البلدية جنبا الى جنب مع ما توفره ميزانية هذا الجهاز من امكانيات مالية بالاضافة الى المؤهلات العلمية والعملية والصفات الشخصية المتميزة لهذا الشخص المناط به القيام بادارة هذا المرفق الحيوي واختياره سيكون اكثر دقة اذا ما تم عن طريق الانتخاب المباشر وبتحديد مدة لولايته اذ ان ذلك سيجعله مدركا بان تفانيه واخلاصه في تأدية عمله هما السبيل لاحتفاظه بولاية اخرى لادارة هذا المرفق الحيوي.
ثانيا: وجود لجنة تنسيق ذات مستوى عال للتنسيق بين الاجهزة العاملة في المدينة او مجلس بلدي لا تتوقف مهامه على اعمال البلدية بل يتعداها الى بقية الاجهزة العاملة يشرف وينسق ويشعر المقصر عن تقصيره ويثنى على من يستحق الثناء من مسئولي القطاعات المختلفة ويشارك في دراسة ووضع مبررات احتياجات المدينة او المنطقة المادية منها والبشرية ويمكن ان تكون هذه اللجنة على شكل مجلس بلدي كما اشرنا آنفا او مجلس المدينة ويتم اختياره عن طريق الانتخاب المباشر ممثلا لكل حي من احياء المدينة.
ثالثا: وجود آلية للرقابة والتحقق من ان مخصصات تلك الادارات والاجهزة العاملة المالية في المدينة يتم انفاقها بشفافية تامة ووفق ماهو مخطط لها لا ان تصرف مئات الالوف على التفنن في تشييد المكاتب الفارهة لمدراء الادارات والاقسام وتأثيثها بالأثاث الفاخر وتزويدها حتى بالقنوات الفضائية وغيرها دون الاعتبار لما تمليه عليهم المصلحة العامة من انكار الذات والعمل على توفير كل الامكانيات المادية لكل ما يخدم الوطن والمواطن ويحقق الاهداف التي ترسمها الجهات العليا في البلد قاصدة المنفعة العامة، ويتوجب على تلك الاجهزة الرقابية أن تكون فاعلة يشعر بنشاطها ومقدرتها كل متتبع وملاحظ للاخفاقات التي قد تعتري بعض الأجهزة العاملة وهناك أمور اخرى يدركها القارىء الكريم نحن في غنى عن ذكرها.
ومن هنا ندرك أهمية العمل الدؤوب نحو تحقيق الإصلاح المنشود لكل شعب من الشعوب أو أمة من الأمم وإلا فإن ركب الحضارة سوف يفوتها وتبقي أمة مشلولة عاجزة تنفق اموالها الطائلة على امور لا تغني ولا تسمن من جوع والزمن لا يسير على وتيرة واحدة فإن ما يتوافر لأمة من الأمم في حاضرها من إمكانيات مالية ومعنوية قد لا يتوفر لها في وقت لاحق، وكما سيكون الأمر عظيما إذا ما فطن من في أيديهم مسؤولية القرار إلى ذلك لكي تنعم أمتهم بنعم الله الكثيرة.
خليفة عبدالله علي السيف