في خضم الزخم الهائل من التقارير عن الحرب في العراق اود ان اذكر القارئ الكريم بما قاله احد الكتاب الامريكيين, على سبيل الاستشهاد لا الاعجاب بان اول ضحية للحرب هي الحقيقة. والمتتبع الفطن لبدايات الازمة الحالية يدرك التصاعد اللغوي ومن قبل اطراف القضية, اذ تزايدت حدة الالفاظ باقتراب الحرب وحال وقوعها, وبدأ التراشق بالالفاظ, على الرغم من الفرق الهائل بين لغات اطراف القضية, والذي عبد الطريق لحالة اللاتوازن في استيعاب العامة من الناس وتصديقهم للموضوع برمته, كما يرويه اطراف القضية. فمن المسلم به في حال الحرب ان تسرد مواطن الانتصارات ويتم التغافل عن الاخفاقات, لما لها من اثر بالغ في رفع المعنويات, والمضي قدما لتحقيق الاهداف, عنوة او سلما على حد سواء.
وبما ان الذي سبق من المسلمات, فجزما سيتحول المتلقي لهذه التقارير وتصديقه لها الى امرين: اما عاطفته الشخصية او المعلومات المسبقة عن اي طرف من اطراف القضية, والتي تسطر قوته وعتاده وتاريخه.
فاما اذا ما انتهجت العاطفة في تلقي التقارير فسيشوبها عدم الحيادية واللاموضوعية, وما ينبغي ان تؤخذ الامور هكذا, وهذه هي الطامة الكبرى. والامر الآخر ان يكون المتلقي اكثر عقلانية, بسعيه الحثيث لفهم الامور من كافة الجوانب, وبالتالي التروي قبل اصدار الاحكام وتصديق الاخبار. ولو سلمنا جدلا بان غالبنا ينتمي للعقلانيين, فكيف لنا ان نختار القناة التي نستقي منها اخبارنا.. وهذه مشكلة المشكلات. ولعلي اتوقف الآن عن سرد المشكلات وتصوير هذه الدنيا بهذا القدر من السوداوية, واعطى قارئنا الكريم بعض النصائح التي ارجو ان تكون مفيدة في تلقيه لتقارير الحروب والمعارك: تذكر دائما ان الحرب خدعة.. فما كل ما يقال يفعل وما كل ما يفعل يقال.. علما بان آخر من تصله هذه التقارير, اذا ما وصلت, هم من هم في جبهة القتال, مما قد ينعكس سلبا او ايجابا على معنوياتهم.
@تذكر ان ما يقال في تقارير الحروب هو بالدرجة الاولى اشباع لفضول الناس ونهمهم, خصوصا الاعلاميين منهم الذين يسبحون في انهار تحليلاتهم, واضعين نصب اعينهم مبيعاتهم والهالة الاعلامية حولهم, الا من رحم الله.
@ خذ التقارير من مصادرها من وسط المعارك, من الاناس الذين يخوضونها ويعايشونها, وليس من الجنرالات العسكريين. لذا نرى الكثير من الحقائق يكشف عنها الغطاء بعد انتهاء الحرب من خلال الاناس العاديين وجنود المعركة, او من قبل الصحفيين الذين تراهم لا ينحازون الى طرف معين في القتال, وقد يفقدون حياتهم, لسمو اخلاقياتهم في نقل الحقيقة, دونما تحيز لاي طرف.
@ تحر حقيقة الخبر من اكثر من مصدر اخباري, يمثل الرأي والرأي الآخر, مع التدقيق في مفردات سياق الخبر بحياديته وانحيازه.
@ التريث والاناة في اطلاق الحكم, اذا غالبا ما تنفى او تؤكد اخبار بعد ايام او ساعات قليلة من اعلانها, وهو دليل خبث الحرب النفسية واللغوية, وما لها من تداعيات في وعلى النفس البشرية.
@ التدقيق في التعبيرات الوجهية, طول النفس, جفاف الريق, حركة العينين, مقارنة الاشكال ما قبل وبعد نشوب الحرب وحال الادلاء بالتقارير.. ويقال ان الألسنة تكذب وليست الوجوه.
@ الاذعان لحقيقة ان الحرب كر وفر, لذا يجب علينا تقبل بعض الاخبار غير السارة بالنسبة لنا طواعية, لكي نحقق المبدأ السابق الذكر.
ان هذه النصائح التي تمثل وجهة نظر الكاتب, حول ما يجري من الامور, هي استقراء لما يجول في خواطر الكثير من الناس هذه الايام, مع احترامه الشديد لطريقة تفكيرهم وتحليلهم للامور. وكما قال توفيق الحكيم (إن واجبي ان ادلك على طريق الحكمة لا للحكمة نفسها). د. عبد الله محمد الملحم