فشل وزير الخارجية الأمريكية في إقناع اللجنة الرباعية بتجاهل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مؤشر على أن الولايات المتحدة تفكر بمعزل عن المجتمع الدولي، فالرئيس عرفات قبل كل شيء أحد الرموز الكبيرة في تاريخ النضال الفلسطيني من أجل التحرر وهو رئيس منتخب من قبل شعبه مما يفرض على المجتمع الدولي معضلة سياسية اخلاقية تتمثل في ان الاطاحة برئيس ورمز منتخب يضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك خصوصا ان الاسرة الدولية بهيئاتها القانونية والتشريعية لا تستطيع الاقرار برأي الادارة الامريكية بشأن عرفات وذلك أحد الخلافات في اللجنة الرباعية أما باقي الاختلافات فهي بين الأخذ والعطاء لأننا ندرك ان المعضلة الأساسية التي ناضل الشعب الفلسطيني طوال أكثر من قرن من أجلها هي الاحتلال الاسرائيلي وهو احتلال لا مثيل له في التاريخ الانساني الحديث لأنه احتلال يقع تحت سمع وبصر العالم دون أن يحرك ساكنا.. وحين تدرك الولايات المتحدة ذلك ستجد بكل تأكيد الحل الأكثر واقعية الذي يقبل به كل الأطراف ومجرد التعامي عن هذه الحقيقة هو إطالة أمد المشكلة وإدخالها في أنفاق مظلمة وتعقيدها بغرض تصورات ورؤى لا تنسجم مع آمال شعوب المنطقة في سلام عادل ومنصف ومن المفترض بأمريكا الا تحول الصراع التاريخي الطويل الى مشكلة شخصية تتمثل في شخص عرفات وهذا ما تتخوف منه الأمم المتحدة والتي قد يخل ذلك بمركزها الدولي بين شعوب العالم ويضع اخلاقياتها الادبية والتشريعية والقانونية على مهب الريح حين تستفرد القوى العظمى بفرض ارادتها على الدول والشعوب وتغير من تريد من الزعماء وتنصب من ترضى عنه أو ينسجم مع افكارها وتصوراتها.
حكومات وشعوب العالم العربي تختلف مع امريكا في انحيازها لاسرائيل بعيدا عن مصالحها الكبيرة في المنطقة العربية ويعرف المخططون للسياسة الامريكية ان أي عربي سواء كان حاكما أو شعبا لا يستطيع التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني وآماله المنشودة، في نهاية الصراع عاجلا أو آجلا ستبقى شعلة تضيء وجدانهم وتوحد طموحاتهم من أجل بناء مستقبل مستقر وواعد.
وحتى امريكا وهي تنظر للمشكلة بعين واحدة من المفترض أن تمتلك من الحصافة وبعد النظر ما يؤهلها إلى تأمين المستقبل في منطقة الشرق الأوسط من خلال تهيئة المعطيات المناسبة للاستقرار الاقليمي حتى تتفرغ شعوب المنطقة لأهدافها الاساسية في التنمية الشاملة والقائمة على التعدد والتنوع الثقافي والسياسي.. وهو ما تغمض أمريكا عينها الأخرى عنه رغم خطابها الايديولوجي الطنان حول ذلك.. انها معضلة سياسية ومصداقية اخلاقية تعانيها امريكا بامتياز ولا تعرف كيف تتجاوزها.