حضارتنا المادة التي فاجأتنا على غير اعداد واستعداد ماذا اعطت وماذا أبقت؟
في سباق محموم ولاهث بين مرحلتين زمنيتين وبين رحلتين.. اي بين نقلتين من زمن له خصوصية السمات والطابع وآخر له ايضا ملامح البعض منها مستعار.. والآخر مازال يصارع حفاظا على وجوده خشية الاندثار..
بين هاتين النقلتين الزمنيتين في ميزان الخسارة والربح اختفت اشياء وجدت اشياء صبغت حياتنا بلونها. وشكلت بخطوطها ولم تبق منه الا النزر اليسير مما نستدل به على ماض ليس عنا بالبعيد الا ان ملامحه توارت في هجمة الرياح المادية التي قلبت حياتنا رأسا على عقب..
أشياء كثيرة افتقدناها رغم بساطتها الا أنها وبتلك البساطة كانت فاعلة في مجرى حياتنا.. كيف لا وهي من صنع ايدينا لم نستوردها.. لم نفتح لها حسابات.. ولم نعقد لأجلها اجتماعات.. ولم ننشىء من اجلها المصانع بملايين الريالات.. بيوتنا هي المصانع.. وايدي رجالنا ونسائنا هي الصناع.. والزراع..
تعالوا معا نتعرف على رصيدنا.. على كشف حسابات الارباح والخسائر.. وارجو ان لا يستهين احدكم.. او ان يسخر من مقارنة ما كان من صنعنا رغم بساطته الا انه اعطى لنا الكفاية.. وما هو من صنع غيرنا رغم تطوره الا أنه اناخ ركابه.. واوقف عجلة انتاجنا حتى تلك المهارات البدائية توارت في زاوية النسيان بعد ان اكتسحتها دون رحمة منتجات تايوان. والصين. واليابان. ناهيك عن اوروبا وامريكا.
اين هي الخسائر..؟ وأين هي الأرباح؟!
خسرنا المهفة من صنعنا وربحنا المروحة والتكييف.. خسرنا القربة والجرة (واللقوق) من صنعنا وربحنا الثلاجة.. خسرنا سراج ابو دنان والاثريك وربحنا الكهرباء.. خسرنا الحطب كوقود وربحنا البوتوجاز.. خسرنا راحة البال وربحنا اللهث والانشغال بجمع المال.. خسرنا عنصر التواصل الاجتماعي والاسري.. وربحنا الكثير من القطاعية. خسرنا الجلد.. وتحمل المشاق سعيا الى نظافة العيش وكرامة الرزق.. وكسبنا.. او كسب البعض ثروة هي الشقاء بعينه.. والعناء بذاته.. خسرنا ما كنا نرتديه ونغطي به اجسادنا صيفا شتاء من صنعنا.. وربحنا تلك الثياب المستوردة بماركاتها المتعددة التي أرهقت بإعلاناتها المتلفزة طاقة تحملنا.. وتحسرنا على عجزنا..
كل تلك الخسارة رغم بساطة مفرداتها لا تعوض لأنها تمثل جيلا امكن له برغم عوزه ان يحقق لأهله ما يشبه الاكتفاء الذاتي.. وهو في مضمونه اختراع وابتكار لا يمكن التقليل من شأنه. والابتكار دائما ابن الحاجة..
اما الأرباح وهي مغرية النتائج التي حولت بيت الطين الى قصر مسلح يحتضن في ردهاته احدث مبتكرات العصر.. واجهزته الكهربية.. وكل مقومات العيش الآتية من كندا الى الهند ومن انجلتر الى اليابان هذه الأرباح اراحتنا جسديا.. منحتنا رفاهية كانت مفقودة.. الا انها اخذت من ارادتنا ومن قدرتنا على المتابعة الشيء الكثير.. حولتنا الى مجرد مستهلكين فقط حتى في ذلك الشيء الذي بمقدورنا ان نطوره ونكتفي به.. حضارتنا المادية اعطت وأخذت.. وفي ميزان التعادل تبقى حضارتنا العلمية العاملة كفيلة بتصحيح التوازن والمسار المطلوب بين ما يمكن انتاجه وما يمكن استهلاكه.. والأمل الكبير قائم مادامت الارادة مدعومة بالادارة تخططه لمستقبل موثر ومتأثر بما حوله في اخذه وفي عطائه.. وما ذلك على العاملين بعزيز.