حالة الذهول التي اجتاحتنا مؤخرا وبسبب التداعيات التي مهدت للحرب على العراق الأخيرة وما تلاها من تطورات كانت أشبه ما تكون بفصول مسرحية تراجيدية كتبت وصيغت فصولها بدرجة عالية من الإتقان وساعدت على ظهور مشاعر داخلنا متنافرة مثل الوجوم والذهول والاستغراب والإحباط مختلطة بمشاعر الغضب والألم والسرور والبهجة، شيء لا يكاد يوصف أن يكون داخلنا هذا الخليط المتنوع والمتباين من المشاعر تنصهر مع بعضها وتظهر جليا كلما تسمرنا أمام القنوات الفضائية منذ الإعلان عن بدء الغزو ولأكثر من ثلاثة أسابيع نتنقل خلالها من قناة إلى أخرى نبحث عن حقيقة ما يجري، وكل القنوات تعزف لنا نفس النغمات، وتسمعنا مواويل الألم والحسرة فما نشاهده يحدث لإخواننا وجيراننا العرب والمسلمون فكيف نرضى بهذا وكيف؟ ونحن نعلم أيضا عدوانية النظام الذي يحكمهم والذي أتخذ من المدنيين جسورا بشرية للدفاع عن نفسه وبقائه، فكيف لنا أن نقدم لهم يد العون ونظامهم أشد عليهم قسوة ممن يغزوهم ؟
@ وما أن دخلت القوات الأمريكية بغداد والغالبية يتوقع أن تكون هناك حالات مقاومة شديدة وانتحارية لوجود الآلاف من فدائي النظام الانتحاريين والمتطوعين من العرب وغيرهم، بالإضافة لبقاء خيرة وصفوة الجيش والحرس الجمهوري وكلها حشدت في بغداد كي تكون مقبرة للغزاة، وقد أعتقد البعض أن تستمر المقاومة أسابيع ان لم تكن أشهرا، وستكلف خسائر كبيرة ومريعة للجانبين وهو ما سيؤثر على الرأي العالمي ويضغط على القوات الأجنبية للتراجع أو الانسحاب أو حتى طلب الهدنة، مجرد توقعات تخيلها الغالبية من خلال الفصول المأساوية التي حبست أنفاسنا مساء صباحا وسلبت أعيننا لذة النوم أو الراحة ونحن نعتصر مشاعرنا لما نراه ونسمعه ولكنا لم نكن نعلم ما كان يدور خلف الكواليس وما يجري تحت الأقبية إذ تعودنا أن نحكم على الأمور على ظاهرها ولم نعلم بأن أم المعارك الموعودة انقلبت لأم المهازل حتى أصبحنا ننافس أفضل الممثلين في أدوارهم وخداعهم وهل نحسن غير هذا. والمحزن المخزي هو ما حصل بعد دخول القوات الأمريكية بغداد، فالجماهير الأشاوس البطلة انقلبت إلى زمر من لصوص وقطاعي طرق تسرق وتسلب وتنهب فرحة مسرورة ، وكأنهم هم الغزاة ، أصبحت الممتلكات العامة أملاكا مباحة لا صاحب لها والشاطر منهم من يسرق أكثر، وحتى المراكز الطبية والمستشفيات والمتاحف التاريخية ودور الخدمات الاجتماعية لم تسلم من هجوم الغزاة المحليين الأشاوس من أبناء الشعب العظيم ولا نعلم من أين أتت لهم صفة العظمة؟ هل لصبرهم كل هذه السنين على المعاناة والقهر والتعذيب والتهجير والفقر والمرض أو مواجهة ويلات الحروب المتواصلة والمتكررة والتي لم تهدا لعشرات السنين ،أو مجابهة الحصار الاقتصادي العالمي عليهم، أم أنه شعب عظيم لمقدرته طوال هذه السنين على تصنع إظهار الولاء والتبعية والمحبة لجلادة حتى اقتنع الجلاد أنه حاميه! ، وحتى اللحظات الأخيرة من مناوشات الصحاف الذي يعتبر أكثر المجاهدين شراسة واستبسالا لكثرة ما أطلقه من ذخيرة كلامية وعبارات غير تقليدية على الغزاة استحق لأجلها أعلى الرتب!، ولكن أين هو الآن ليتسلمها من قبل أناس حرقت أعصابهم وهم يتابعون غوغائيته الوهمية ومنازلته التمثيلية على جميع القنوات؟ كما تابعوا بعدها هذا الشعب العظيم يرقص فرحا لاندحار طاغيته، (كالطير يرقص مذبوحا من الألم). ان جائزة الأوسكار يجب ألا تخطيء هؤلاء الأشاوس لما أبدعوه من تمثيل مؤلم ، آه .