ان مشكلة الفراغ النفسى تعد من اكثر امراض العصر شيوعا ، وان تظاهر المصاب به انه سعيد فى حياته ، ساعيا وراء الملهيات التى هى اشبه بالمخدر الذى ينسيه واقعه كلما رجع الى نفسه ، ليرى فيها فراغا قاتلا ، وذلك لعدم اعتماده على ما يمكن الركون اليه من : انيس صادق فى الخارج ، أو حقيقة مشرقة فى الباطن !. ان للناس طرقا شتى فى ملء الفراغ الروحى لديهم ، والعنصر الجامع بين كل هذه الصور الشاغلة هو : التبدل والتغير فى افراد تلك الصورة من ناحية ، وعدم البقاء من ناحية اخرى .. فكل محبوب فى الوجود اما فى طريقه الى : الافول التدريجى ، او الزوال الدفعى .. ومن هنا لو تامل العاقل ، لرأى ان السبيل متعين فى الارتباط بالمطلق ، الذى لا يعتريه تغير ولا زوال .
ان هذه الحقيقة لا يمكن انكارها وهى : ان النفس لا يمكنها ان تعيش فى الفراغ ، فهى تحتاج دائما الى ما تسكن اليه ، فان لم يكن حلالا او حقا ، التجأت الى الباطل .. ولهذا لزم على المؤمن! ان يسارع فى سد هذا الفراغ ، ومن الواضح ان العبد عاجز بنفسه من ملء ذلك ، لان رياح الاهواء تسوقه - رغم انفه - الى زاوية معينة ، فكان لا بد من لطف الهى فى سد مثل ذلك الفراغ .. ان البعض يحصر الحب الالهى فى جو رومانسى شاعرى ، فتراه يهيم فى ذلك الحب على مستوى الادعاء ، والحال ان الامر يحتاج الى اثبات صادق له فى ساحة الحياة ، فتأمل فى هذا النص والدعاء : (اللهم انى اسألك حبك ، وحب من يحبك ، والعمل الذى يبلغنى حبك ، اللهم اجعل حبك احب الى من نفسي واهلى ... )
ان محبة ما هو غائب عن الحواس - وان امنا به ايمانا جازما - يبدأ بشئ من التكلف ، ولكن مما يوجب تحويل ذلك من التكلف الى ما يطابق ! المزاج ، ومن الادعاء الى الصدق : هو استمرارية الذكر القلبى ، اضافة الى الالتزام العملى بالواجبات وترك المحرمات
ان اهل الدنيا كما يتلذذون بملذاتهم التى لا بقاء لها ، فان الذاكر يصل الى درجة يستنقص عندها لذائذ اهل الارض ، لما يعيشه من النعيم الباطنى الذى لا يوصف ..
ان من آثار الحب الألهى هو: بغض اعداء الله تعالى ، اذ كيف يجتمع فى قلب واحد حب حبيب ، وحب عدوه ؟.. فانه لا بد وان يكذب فى احدهما، ومن هنا يتكلم القرآن بصراحة حينما يعلن بانه {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } .. ان القلب متى ما رأيته يميل الى اعداء الله تعالى ، فاعلم ان هناك خللا فان الدين كما رسم لنا الاحكام العملية ، فانه جعل للقلب احكاما تطبيقية . ان العبد ينتابه الذهول حينما يعلم ان حب الله تعالى له لا يقاس بحبه لله تعالى ، وذلك لان حب العبد صادر من محدود ، وحبه تعالى نابع من عالم اللامحدود .. وتصور بنفسك حال سلطان احب عبدا من رعيته حبا لا حدود له ، فهل يبقى لهذا العبد فراغ ليأنس بسواه ؟.. وهل تبقى له حاجة ليلجأ الى غيره ؟.. وهل يبقى احد يخاف منه ليعيش حالة الرعب من اعدائه ؟