لن أطيل عليكم في هذه الحلقة.. على أن تعدوني بالتأمل الصحيح.. الخبر ضاحية جميلة، وهي عاشت قبل أن تظهر واقعا ضمن مخيلة هندسية.. فجاءت شوارعها متقاسمة، متقاطعة بسمات هندسية.. وبنيت بروح انشائية خلاقة جعلتها واسعة الصدر رحبة التفكير، وأرجو أن تصدق أن المدن لها صفات حيوية.. وهذا هو الذي يجعلك تحس بالانشراح والرحابة في مدينة، كما تشعر بالضيق والاختناق في مدينة أخرى.. وقرأت كثيرا في علوم العمران لكبار مخططي المدن فقط لأقول لكم هذه الكلمات القليلة.. الفلسفة العمرانية للحواضر تؤمن بالتخطيط العلمي لأبعاد فنية هندسية تكفل روحا للمدينة، فتجد مدنا تصادقك.. ومدنا تكشر في وجهك منذ اللحظة الأولى.. عندما تذهب الى "هيروشيما" تلمس روحا حزينة شبحية، رغم الأنوار وأنهار البشر إلا أنك في ميادينها تتخيل الفقاعة التي سببتها "القنبلة الذرية".. وبنى المهندسون "أغادير" بعد زلزال ساحق.. بيضاء، مرحة، فنتازية.. تمد أياديها للحياة، وعندما تزورها تملؤك الحياة..
من الصعب أن نقول عن الدمام إنها بنيت بنفس المخيلة.. هذا إن كانت هناك مخيلة في البدء.. بنيت ـ حقيقة ـ بلا روح هندسية لذا لا وجه خالص للدمام، ولا يمكنك التباشر معها بخصوصية إنسانية.. وهذا أثر على الناس.. وآتي هنا على العنصر الأهم.. قلنا ان "الخبر" تبرز فيها الروح الهندسية الخلاقة، ولما كبرت ..كبرت هذه الروح.. بل أثرت هذه الروح على من سكن الخبر فارتقى ذوقهم الحضري لان صلة انسانية هناك بين المدينة ومن يقطن المدينة.. الذوق هو الذي فيما بعد قاد كل شيء.. وشكل كل شيء.. لذا يجري "مشط" المصالح الخدمية سهلا، متيسرا، بلا عقبات..
لم ينم هذا الذوق في الدمام لتواري الروح التخطيطية الهندسية منذ البدء.. ضعف ازاء ذلك التواصل الذوقي الإنساني لقاطني المدينة مع المدينة.. هذا عكر سير "المشط" وأقام عقبات..
أترك الآن مجلس المدينة، ومصالحها، وأهلها أمام بحث للمستقبل اسمه "التواصل الذوقي".
