لقد ظل لغز الروح محيرا لايعرفه غير الخالق سبحانه وتعالى حيث قال في محكم كتابه "قل الروح من أمر ربي".
وما يلفت النظر ان نقرأ في كتاب OXFORD Medicine اننا لا نستطيع التدخل في عملية الموت نفسها ان حصلت ولكننا كأطباء قد نستطيع معالجة بعض الآفات والامراض لدرء خطر الموت ولكن الاجل ان جاء لايمكن لأحد ان يؤخره او يقدمه غير الباري تعالى (ان الموت حق يجب ان يحصل لتفادي التزاحم على الارض وخيراتها ولفسح المجال لاحفاد واجيال شابة ونشطه تعمر الارض وتساهم في استمرار النوع البشري بشكل متوارث وفعال وقد نقرأ ايضا في هذا الكتاب ان الجينات لاتعود لنا بل نحن نعود لها وكأنما صاحب الكتاب يريد ان يذكرنا ان تلك موجودة اصلا في الاصلاب وقد نقل الفخر الرازي: في تفسير الآية (172 ـ من سورة الاعراف) بسند صحيح (ان الله تعالى حينما خلق آدم مسح ظهره فخرج جميع ذريته بصورة ذرات من ظهره من ذلك الوقت الى يوم القيامة) وهو ما يعبر عنه (بعالم الذر) اي بما نعبر نحن عنه بعالم الجينات الوراثية وان هناك توازن عجيب بين الموت وبين الحياة ان لم تتدخل فيه الحروب والكوارث الطبيعية مثلا.
وبالنسبة لما ورد لنا عن الحياة والخلق في القرآن الكريم فان الانسان خلق في اطوار ابتداء من سلسلة من طين الى الخلق النهائي المتكامل (السجدة 6 ـ 7) و(المؤمنون 12 ـ 14) و(نوح 13 ـ 14) و(الحج 5) ويقول المفسرون ان (الخلق الآخر) في الآيات هو عملية نفخ الروح بعد اكتمال تكوين الاعضاء.
واضافة الى الاعجاز القرآني في الخلق والروح فأننا نجد ايضا اعجازا في احاديث النبي (ص) فقد ورد عن عبدالله بن مسعود قال اخبرني الصادق المصدوق ان احدكم يجمع خلقه في بطن امه اربعين يوما ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اليه ملك بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقي او سعيد ثم ينفخ فيه الروح وهذا ما يسمى بحديث نفخ الروح.
وعن ابن القيم وابن حجر العسقلاني ان نفخ الروح هو نفس الوقت الذي تبدأ فيه حركة وحسية الجنين وهذا ملفت للنظر حينما يعتقد الامامان ان نفخ الروح مرتبط بالاحساس والارادة بالجهاز العصبي بل بالدماغ وقد نستنتج ان الجنين قبل نفخ الروح فيه حياة انسانية.
وكذلك وردنا عن الرسول الصادق المصدوق انه اول من اخبرنا عن خلق اعضاء الجنين في الادوار الاولى ففي الحديث الذي رواه مسلم عن حذيفة ابن اسيد عن تشكيل كافة الاعضاء بعد الأربعين يوما الاولى من عمر الجنين وهي الفترة المعروفة لدى علماء الاجنة O rgan Genesis اي فترة تكوين الاعضاء واول ما يبدأ في نشاط المخ هو جذع المخ Brain Stem.
اما المناطق المخية العليا الاخرى فتبقى بدون نشاط الى عمر (120 يوم) من الجنين حيث تصل الايزاعات الكهرباء اليها وتبدأ بالعمل وهو يطابق ما عبرت عنه الاحاديث القدسية عن الرسول (ص) وبعد ذلك علماء المسلمين بشكل اعجازي وعجيب حيث ان المخ هو مركز الادراك والحس والفكر الذي يبدأ عمله في نفس هذه الفترة 120 يوما وقد يسمح بعض جمهور العلماء بالاجهاض قبل فترة 120 يوما حيث يعتبر الجنين كالجماد بدون حس (بدون وظيفة الدماغ) وجمهور آخر قبل اربعين يوما من عمر الجنين اذا كان هناك سبب طبي حتمي وضروري كتشوه الجنين او خطر على الام مؤكد من نخبة موثقة من الاطباء.
خلاصة الموضوع والنتيجة العلمية
هي ليست فقط ما ذكر في القرآن الكريم وما ورد عن الرسول الاكرم (ص) وعلمائنا الافاضل ولكنه ايضا ما يترتب عليه من امور شرعية وفقهية يحتاجها الاطباء في ممارستهم العلمية تجاه بعض الحالات مثل حالات موت الدماغ (الموت السريري) وما ذكر بان الموت السريري يعادل الموت الحقيقي شرعا من حيث الضرر وقرار دية المتوفى وكذلك موضوع استئصال الاعضاء المفيدة من جسم المتوفى سريريا بقرار من لجنة فتوى شرعية حيث ان هذه الاعضاء قد تفيد جدا لزرعها في جسم مريض آخر حي بحاجة ماسة اليها كالكليتين والقلب والرئتين الخ علما بان الشخص المتوفى سريريا وهو بحالة جيدة قبل الوفاة كالناتجة عن حوادث السيارات المؤسفة مثلا فان المصاب قد يكون نافعا لعدة مرضى بحاجة ماسة الى أعضائه لانقاذ حياتهم وبالطبع فان هناك اصولا محددة standard Guieds متفق عليها لدى بعض اللجان الطبية في تشخيص وتحديد الموت السريري ورفع جهاز التنفس الصناعي عن المتوفى سريريا ان امكن اذا كان ذلك جائز طبا وشرعا. د. عبدالمحسن عباس استشاري امراض المخ والاعصاب في مستشفى المانع العام ـ الدمام
