عزيزي رئيس التحرير
بعد التحية
اطلعت على بعض التقارير الصادرة من بعض وزارات وإدارات العمل والعمال والتي توضح النسب المخيفة للعاطلين عن العمل في دولنا الخليجية (الغنية بالذهب الأسود والمنتجات الزراعية والصناعية.. إلخ) وذلك عبر الصحف والمجلات وغيرها وسألني أحد العاطلين سؤالا (ناريا) تشتعل معانيه في قلوبنا جميعا بقوله: "لماذا يصبح الخليج البقرة الحلوب التي يتمتع بحليبها الأجانب.. ونحن نموت جوعا وعطشا".
وبالطبع لم يكن لدي وظيفة أقدمها للخليجي العاطل والذي يحمل مؤهلا جامعيا ولديه مسؤولية عائلية كبيرة سوى ان أسأله "ما نوع العمل الذي تبحث عنه؟.. فنظر الي بكل تواضع وقال: أي عمل.. لا يهمني نوعه او مكانه او راتبه.. المهم أعمل.. قلت له: ولكن العديد من الشركات تقول: ان السعوديين يريدون وظائف مديرين ويرفضون العمل في المطاعم والمصانع والفنادق او أي وظيفة ليس فيها إبراز شخصيته؟.. قال بغضب: كذبت هذه الشركات وغيرها وان من يبث مثل هذه الأخبار هو إنسان انتهازي.. أناني.. يحمل في قلبه الحقد الدفين لخليجنا العربي وأبنائه.. وما تقوله الشركات في المملكة تردده أيضا الشركات في الإمارات والكويت وعمان وقطر والبحرين.
إن إلصاق تهمة مثل هذه هدفها حرمان شبابنا من الوظائف التي يستحقونها واعطاء الأجانب فرصة طويلة لابتزاز خيرات خليجنا العربي الغني.
لا أشك في أن حكوماتنا في الخليج تفضل إحلال العمالة الوطنية وتفعيل دورها في القطاع الخاص وبالأخص القطاع الصناعي والذي يواجه تحديات خصوصا مع التوجه القائم في الدول الخليجية نحو تنويع القاعدة الاقتصادية وصولا الى زيادة اسهام القطاع الصناعي في النا تج المحلي.
ان العمل في القطاع الصناعي يوفر فرصة العمالة الخليجية وتطويرها وتأهيلها.. لتكون بمثابة مرجع أساسي ومرتكز من مرتكزات البنية الصناعية الخليجية.. لكن قلة الحوافز الحكومية وغياب التخطيط العلمي والإداري السليم لتوجيه العمالة الخليجية نحو القطاع الصناعي والخاص.. تحديدا جعلا دور العمالة الخليجية الى وقتنا الحاضر محصورا في القطاعات الحكومية والإدارية التي تبعدها عما يوفره العمل في المجال الصناعي من اكتساب خبرة تقنية وفنية.
ووفقا للبيانات الاحصائية تشكل العمالة الوافدة في كثير من دول الخليج العربي ما نسبته 85% تقريبا من اجمالي العاملين في قطاع الصناعات التحويلية.. والذي يصل اجمالي عدد العاملين الوافدين في الدول الست بالملايين موزعين على آلاف المنشآت والمصانع وتتراوح نسبة العمالة الوافدة الى العمالة الوطنية في قطاع الصناعات التحويلية بين 0.3 الى واحد في حدها الأدنى (كما هو الحال في صناعة المعادن الأساسية في مملكة البحرين الشقيقة) و0.9 الى واحد في حدها الأقصى (كما هو الحال في صناعة النسيج في دولة الكويت الشقيقة) وبصفة عامة.. فإن نصف النسب تقريبا تصل الى عدد الرقمين السابقين.. في حين توجد نسبتان فقط بقيت قيمتها دون الواحد.. وهذا دليل على صعوبة توفير الأعداد الكافية من العمالة الوطنية لتعويض العمالة الوافدة في كافة مواقع العمل.
كما تتوزع العمالة الوافدة في قطاع الصناعات التحويلية بدول مجلس التعاون على مهن ووظائف لها مستويات متباينة من الانتاجية والأجور.. وتحقق المهن ذات المستويات المتدنية من الانتاجية مردودا محدودا.. لذا فهي لا تضمن للخليجيين مستويات من الأجور تتناسب مع التطلعات والمقاييس الاجتماعية والثقافية السائدة في المنطقة.. وقد يكون من المناسب ان تسعى الحكومات الي سد الفجوة من خلال تقديم دعم مادي كاف لرفع مستوى الأجور.. غير ان ذلك سوف يمثل ضغطا على الميزانيات الحكومية.. اذا شمل الدعم كافة الوظائف متدنية الانتاجية التي يشغلها الوافدون حاليا.
إنني أدعو أصحاب الشركات من أبناء الخليج الذين تهمهم مصلحة مواطنيهم ان يوفروا الوظائف الملائمة لهم وألا يضعوا العراقيل في طريقهم وألا يشجعوا أولئك الذين يبثون مثل تلك الشائعات الخطيرة على أبناء وطنهم.. فهم أحق بالريال والدرهم والدينار من غيرهم.. والمثل الخليجي يقول: "الثوب رقعته منه وفيه".
د. محسن الشيخ آل حسان