هذا التعبير/ اللافتة.. ردد على اسماعنا حتى صرنا لا نفكر فيه. اننا نستسيغه تماما مثل استساغة الماء. في حين انه يطلق, في معظم الاحياء, اطلاق كلمة الحق التي يراد بها باطل.
ان الفكر لا يستورد. انه مثل بذور النبات. اما ان تكون التربة صالحة وشروط النمو متوافرة, فينبت وينمو, اولا تكون كذلك فيموت. ان الافكار تنغرس لان المجتمع في حاجة اليها, وبذورها الرفض والاهمال اذا لم يكن المجتمع مستعدا لانغراسها.
اننا نستورد المناهج الدراسية والنقدية وحتى الاقتصادية والفنية. ولا احد يستنكر ذلك. نستورد الآلات الحضارية الحديثة, بل وحتى الازياء في الملابس وفي البيوت, ولا احد يستنكر ذلك. اما حين نقول: الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. حين نتفوه بهذه المفردات وامثالها تتعال الاصوات وتدوي الحناجر باكية على الاصالة والخصوصية والاستقلال الفكري, ويدوي الرجم بالتغرب والتنكر واستيراد الافكار لمن يتفوه ببعض تلك المفردات.
لماذا لا تنهدم اصالتي عندما استورد سيارة؟ لماذا لا تتزحزح خصوصيتي عندما اسكن بيتا بني على احدث طراز غربي؟ ولماذا ينبت لهذه الاصالة او تلك الخصوصية جناجان للفرار مني حين استلهم فكرة من عالم غربي او ياباني؟
ثم - وهذا هو الاهم - لماذا نهرب من تعريف الاشياء تعريفا علميا؟ لماذا لا نعرف الاصالة ونعرف الخصوصية تعريفا بعيدا عن الغوغائية والزيف والذهنية التي تحتشد بالخرافة؟
الاصالة هي ان تكون انت في حالة سيرك الى الامام. والخصوصية ماهي الا تلك الملامح لهذا السير الى الامام انهما ليستا صخرتين لاصقتين بجبل يسمى الانسان انهما فعل. فعل متطور ينبع من هذا الانسان نفسه ليس إلا.
ليس في امكان سد من السدود الحيلولة دون سيل الافكار فالحضارة المزدهرة لابد ان تدفع كل مجتمع بشري الى احتضانها حسب قدرته على هذا الاحتضان.
أليس كذلك؟