أخبار متعلقة
عزيزي رئيس التحرير
قرأت وتابعت العديد من المقالات في (اليوم) وفي غيرها من الصحف العربية والصحف التي تنتمي الى (العربية) مكانا لا فكرا ولا قولا. وفي الحقيقة ثمة أرباك وهرولة في اتجاهات مختلفة ودعاية وإدعاء وعداء.. وقل كثيرا حول هذا الأمر.. وسأتوقف هنا عند محورين : المحور الأول مقالة في احدى الصحف المحلية موجهة الى رئيس تحرير احدى الصحف التي تصدر بالعربية من لندن. والمحور الثاني تقرير نشره موقع وكالة الأنباء السويسرية (SWISSIMFO) تحت عنوان (الإعلام العربي يزعج واشنطن).
ولنتوقف سويا امام المحور الأول.. وننقل حرفيا بعض ما قاله كاتب المقالة التي أشرت اليها وهو الاستاذ فيصل الشهيل:
(اننا نقول: ألا تحتم الموضوعية التي يطالب بها الأخ عبدالرحمن الراشد ان يمنح الإعلام العربي ولو شيئا من الاعتراف بالقفزة الإعلامية النوعية التي حققها في السنوات الأخيرة.. ألا ينشر المراسلون العرب في مواقع الحرب من جهة وفي دول العالم من جهة أخرى لينقلوا لنا مجريات الأمور حية بالبث المباشر.. وتمضي المقالة في هذا الاتجاه وتستند ونحن معها على قراءة للواقع الإعلامي قبل وأثناء الحرب.. ونقول للاستاذ الشهيل اتمنى لو ان مقالتك توجهت الى العديد ممن تبنوا مثل هذا الطرح الذي انتقدته بل وأكثر بكثير مما يصيبنا بالقهر ويجعلنا نخلع ثوب العروبة خجلا مما يطرحون.. فهناك أقلام اضافة الى وقوفها المطلق وتحيزها التام الى القتل والدمار الذي يحدث تحاول ان تستعدي ما يسمى بدول التحالف (أمريكا وبريطانيا) ضد سوريا وإيران بشكل سافر ومباشر ودول أخرى بايحاء غير مباشر.. وكأنها تريد الشر ان يحيق بالجميع لأسباب معروفة وواضحة لديها.
ولم تسع هذه الأقلام للكشف عن الدور الإسرائيلي في التخطيط للحرب والتحفيز عليها والمشاركة الفعالة والقتالية فيها.. فالمتتبع للجان التي تشكلت للتنسيق السياسي والعسكري بين أمريكا وإسرائيل في الشهور الأخيرة والتي كشفت عنها بعض الصحف الأمريكية والإسرائيلية يؤكد ما ذهبنا اليه. ولعل البلد الوحيد في العالم الذي قبض ثمن الحرب مقدما (عشرة مليارات دولار) هو إسرائيل بينما تركيا ذات الموقع الهام والاستراتيجي والفاعل للقوات الأمريكية لم تمنح ما وعدت به وهمش دورها وكذلك دول أخرى.. وليس الثمن المادي فقط هو ما حصلت عليه إسرائيل ولكن هناك مكافآت أخرى باطلاق يدها في الأراضي المحتلة وأشياء أخرى ستكشف عنها فترة ما بعد الحرب.
واحيلكم هنا الى محاضرة وزير الدفاع الإسرائيلي في الشهر الماضي والتي نوه عنها الاستاذ فهمي هويدي في مقالته والتي تلخص بجلاء بعض ما تطمح اليه إسرائيل من هذه الحرب وهو اخراج العراق من دائرة العداء لإسرائيل, والضغط على سوريا لاخراج المنظمات الفلسطينية لوقف حمايتها لحزب الله في لبنان الأمر الذي يؤدي الى تخفيف مصادر رفد المقاومة الفلسطينية في الضفة والقطاع.
اضافة الى تسريب الشعور بالعجز والهزيمة لدى العرب عامة والفلسطينيين خاصة مما يؤدي الى ايجاد مناخ ثقافي يؤدي الى التطبيع مع إسرائيل.. ومن المثير للدهشة ان يصمت العالم العربي عن وجود وحدتين عسكريتين إسرائيلتين اجتازتا الحدود بعد أيام من بدء الحرب وتعملان في غرب العراق.. هذا حسب رؤى شهود عيان للصحافة الإسرائيلية التي تحدثت عن ذلك بينما صمتت صحافتنا.. وللتذكير قوام هذه القوات كما جاء في المصادر المؤكدة خمسة آلاف جندي انطلقوا من قاعدة في صحراء النقب ويعملون في غرب العراق. اعتقد اننا اطلنا في ايضاح هذه الجزئية التي جاءت على هامش ما نتناوله حول الإعلام العربي ومصداقيته ونعود الى مقال الشهيل الذي أكده المحور الثاني واقصد به تقرير وكالة الأنباء السويسرية تحت عنوان (الإعلام العربي يزعج واشنطن) الذي يقول:
بينما اعتمد المشاهد العربي عام 91 على كاميرا ت وصحافي وخطاب قناة CNN الأمريكية.. ها هو يتمتع بحرية الاختيار بين باقة القنوات الاخبارية العربية.. التي حرصت على ايفاد شبكة ضخمة من المراسلين الى المدن العراقية الرئيسية.. ولا تكتفي هذه القنوات بنقل مجريات الحرب بل تتخلل تغطيتها الحية مقابلات مع محللين سياسيين وعسكريين عرب او غربيين يساهمون في تنوير المشاهد كما لا تغفل هذه القنوات متابعة المؤتمرات.
هذه المتابعة اكسبت الإعلام العربي المرئي مصداقية لدى شريحة واسعة من الجمهور العربي. وقد أثارت هذه المنافسة غضب واشنطن ولندن بذريعة عرض التليفزيونات العربية صور الأسرى والقتلى من جنود الغزو.
ويمضي التقرير بما طرحه من وقائع ولقاءات الى التأكيد على مصداقية هذا الإعلام قياسا بالإعلام الغربي الذي يمارس التعتيم والكذب.. وينتهى التقرير الى القول بان هذه الجهود تبرهن على تبلور إعلام عربي وسط الساحة الإعلامية الدولية إعلام نجح الى حد بعيد في فرض قراءته الخاصة للأحداث لدرجة ازعجت واشنطن ودفعتها الى انشاء قناة تبث بالعربية لتحسين صورتها. وأعود ثانية لمقالة الشهيل والتي رد عليها الراشد سريعا واتوقف عن الرد قليلا واستغرب من وقوف الاستاذ الراشد عند جزئية صغيرة اعتبرها لا تدخل في مصداقية او عدم مصداقية الإعلام بل في جانب الحرب النفسية التي تمارسها امريكا وبريطانيا ايضا والمصداقية تحتم هنا تبني الروايات المتعددة.. ولا تتحمل الدعوة التي يدعونا اليها الاستاذ الراشد بقوله في نهاية مقالته (ان مسألة الاصطفاف وراء القيادة العراقية تحت دعوى محاربة الغزاة تحتاج الى تأمل.. ألم يكفنا اننا اصطففنا ثماني سنوات باسم حماية البوابة الشرقية في حرب إيران..)
هل تفهم من ذلك ان هذه دعوة الى تبني الفكر والموقف والرؤية والإعلام والغزو الأمريكي البريطاني والوقوف الى جانبه إعلاميا وشعبيا وسياسيا؟ هل اذا فعلنا ذلك سنحمي أنفسنا من الانجراف وراء الظواهر المستمرة التي تقود عقولنا.
اننا ندرك ياسيدي ان الحسم كما قال الشهيل سيكون لصالح طائرات الـ(بي 52) ولك ان تطمئن الى ذلك, ولكن هذه الخاتمة تتناسب مع الطرح الإعلامي العربي الذي يثبت ان هناك رفضا شعبيا عارما من غالبية الدول لمعالجة القضايا والخلافات الدولية بأسلوب الهدم والقتل والتخريب.. لا فرق بين أثر من آثار الحضارات الإنسانية ودورة مياه وبين طفل وشيخ وامرأة وقاتل.
انت تعتقد ان هذه الخاتمة لا تتناسب مع ما يطرح في اعلامنا العربي.. فما الذي يجب ان يتبناه هذا الإعلام؟ من الواضح ان عليه كما ترى ان يتبنى الرؤية الغربية تماما.. وهذا ما نرفض ان يكون عليه إعلامنا فهذه دعوة الى الاستسلام التام والرضوخ لاعلاء القوة وهذا ما رفضه ولم تستسلم له شعوب مثل فيتنام وكوريا الشمالية وغيرهما..
فهل المطلوب منا نحن ذلك..
يااستاذنا الراشد ادرك انني ربما لم استطع طرح كل أفكاري بالشكل والرؤى المناسبين, وأدرك ان هناك إعلاما هزيلا وضئيل الحجم, وآخر مبالغا ومجسما للقضايا.. ولكن هناك إعلام حقيقي وهو الغالب. سيدي عليك ان تقرأ نبض الشارع العربي الذي اعتقد انه بات واعيا وفاهما ومدركا بمراحل عن عام 1967 الذي قست عليه رؤيتك. في النهاية ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية إلا القضايا المصيرية التي تمس مستقبل هذه المنطقة التي لا نرى مناطق أخرى في العالم تشغل أمريكا سواها.
حنظلة العبسي
عبدالرحمن الراشد
فهمي هويدي