عندما تتعالى وتمتد.. تتطاول وتنحني.. تتشابك وتنبسط.. تصنع اللون والظلال والحركة.. وتمضي بك او تمضي بها.. ترسم خطوطا مبهمة لايام مضت وأيام ستأتي.. تتزين بها فتفضح قبحك.. ترتديها فتكشف عريك.. تختفي خلفها.. فترى نفسك من خلف حائط زجاج.
هذه الحروف التي يمتطيها البعض الى غاياتهم وأهدافهم ومطامحهم كثيرا ما امتطتهم هي.. وحولتهم الى دواب يساقون وفق ما ترغب وما تريد. .. الحرف الذي يجعل للقمر لسانا.. وللزهرة شفتين.. وللشجرة ساقين.. وللبحر اسرارا وأصدافا وظلمة موحشة كالموت.. الحرف والمعنى كلاهما مرتبط.. وكلاهما يقودان المرء الى حيث يشتهي ولا يشتهي.
.. لهذا فإنني أبحث عما يجعل من قناعة الحاجز فضيلة.. ومن اسار القيد انطلاقة.. ومن الذي يكتظ في داخلي دليلا ونبراسا الى الحب والخير.
انني لا أود أن انتزع من ايامي الماضية خطوطا متشابكة ملتوية أنحدر معها أو أدور حولها او أسقط في دوامتها.. العراك مع أيام مضت مستحيل.. لست ممن ينتزع أوراقا ميتة ليحاسبها بعد موتها. انني أود أن أجعل لنصائب القبر قدمين تمضيان الى أبواب لم تشرع بعد.. من هنا يصبح للكلام عن الماضي لغة الغد.. وسحر المجهول.. وفتح آفاق جديدة لأحلام كبيرة.. وحنين لاينتهي أبدا. .. ومن هنا أيضا أجد نوافذ من خلف الغيوم قد اتسعت لمدى من الرؤية لايحد.
ومن هنا قد يصبح لاوراق الخريف أكثر من معنى حتى عندما تسقط. وللكثير من العصافير الملونة لغة الجنة لالغة الجحيم.. وحتى القراءة في ملامح الماضي قد تتحول الى فنارات لرؤية شواطئ المستقبل وموانئه ومراسيه.. ولهذا لم تعد المذكرات وروايتها في نظري مجموعة من الحكايات الميتة.. بقدر ما هي طريق ونهج يؤدي الى بوابات اكثر اتساعا.. لابد وان يتصل الحلم.. لابد وأن يتجدد الهواء مرة أخرى .. ولابد من العثور على مسالك عدة للوصول الى كسارة الموج.. فاما ان نموت.. وإما أن نحيا.. والناس لاتحيا الا بتوافر مزيد من الهواء النقي.. ومزيد من الأمل.. والكثير الكثير من الحرية. وهكذا كنا نتكلم بالأمس.. فهل تصلح هذه اللغة للغد؟ ولا أزيد.