ثلاثة تماثيل برونزية بأسنان مدببة حادة وشعر أشعث وعيون واسعة تكشر مهددة تحت بوتقة هائلة مزينة بغيوم وأشرطة جميلة.
ونسر برونزي يربض على تمثال بحجم طبيعي فيما تجهد العفاريت , مثل ( أطلس) لإبقاء البوتقة في مكانها العالمي بقوة العضلات المفتولة.
محرقة البخور الجبارة هذه هي واحدة من مئات البوتقات والمنحوتات والمنسوجات المعروضة
معرض روائع اليابان الامبراطورية
ويلقي المعرض نظرة على الأعمال الفنية التي أنتجت في (مرحلة مايجي) وهي حقبة قصيرة وحافلة بالنشاط تسد الثغرة بين 250سنة من الانعزال عن العالم الخارجي وبين الدور الذي لعبته اليابان كدولة كبرى.
ضم المعرض 350 قطعة يملكها الدكتور ناصر الخليلي المقيم في لندن , وهو ـ أي المعرض ـ مكرس للازدهار الفني الانفجاري الذي حدث في أواخر القرن التاسع عشر عندما خرجت اليابان من عزلة فرضتها على مدى قرون على نفسها.
ويقول دونالد جنكيز , عميد الفنون الآسيوية في متحف بورتلاند للفنون :
قرر اليابانيون بعد 250 سنة من العزلة أن يعانقوا بقية العالم , وقد فعلوا ذلك بطريقة راقية ورائعة جدا , وكأنهم بذلك قفزوا فوق عجلة الزمن.
عندما ظهرت قطع البحرية الأمريكية قبالة السواحل الأمريكية في العام 1854 , اكتشف البلد ضعفه الصناعي والعسكري , وهب ليحفر لنفسه اسما ومكانة بالطريقة الوحيدة التي يعرفها.
ويقول جنكيز: " كانوا يخشون أن ينظر اليهم الناس نظرة فوقية ويعتبرونهم عالما ثالثا وأحد الاشياء التي كان بوسعهم ان يفعلوا قبل أن تصبح لديهم صناعة هو إنتاج الفن".
وفي العام 1867توفي الإمبراطور كومي واستقال آخر الـ " شوغون" ـ الحكام العسكريون ، من منصبه ـ وأجرى الإمبراطور الجديد لمرحلة مايجي , موتسيوهيتو ـ إصلاحات واسعة لعصرنة البلد ورعى بنفسه افضل فناني بلاده وأكرمهم بمبالغ مرموقة لكي يصنعوا أعمالا فنية ذات نوعية راقية بغية تصديرها الى أوربا والولايات المتحدة , وخصص اموالا كبيرة لبناء أجنحة واسعة في عدد من المعارض العالمية.
وقد كان قرار التركيز على الأعمال الفنية قرارا (علميا) أيضا فالحرفيون الذين كان عملهم الوحيد تزيين السيوف وصنع بوكلات أحزمة عاجية وجدوا أنفسهم فجأة بلا زبائن.
ويقول الدكتور الخليلي: " كانوا جائعين , واعتقد أنهم كانوا حكماء , الدين له لغته الخاصة والسياسة لها لغتها ولكن اللغة التي لها صبغة عالمية هي لغة الفن".
وفي غضون سنوات قليلة كان أفضل فناني اليابان ينتجون روائع فنية من العاج واللاكير والمينا والبرونز والبورسلين , وكانت أوروبا وأمريكا تقدران جدا هذه القطع الفنية ـ وأفضلها موجود ضمن مجموعة من الخليلي ـ لمظهرها الغريب وحرفيتها الممتازة. ورغبته في إغراء الغرب ركز فنانو حقبة المايجي على مواضيع شبه فيكتورية من أجل الشراة الأجانب , كما ركزت الأعمال الفنية على التقاليد والمواقع اليابانية المعروفة في الغرب بما فيها المعالم الأثرية الشهيرة والمنحوتات واللوحات التي تمثل أوجه الحياة اليومية. ويقول الخليلي أن الكثير من هذه المنسوجات مقلدة من لوحات أوربية, فالفنان رآها على البطاقات البريدية فصنع مثلها معتقدا ان هذا ما سوف يطلبه الأوربيون.
إلا أن التهافت على الغرب لم يستمر طويلا فمع انتهاء القرن حدث ارتداد عن القطع غريبة المظهر. وعاد الفنانون الى صنع تصاميم أقل تعقيدا وتقليدا للمواضيع التقليدية.
فمع حلول العام 1910 , على سبيل المثال , كان نفس فنان البورسيلين يابو مايزان يصنع مزهريات رفيعة شبه بيضاء مزينة من عناقيد العنب أرجوانية اللون تحميها أوراق كرمة عليها بقع برتقالية , وهناك حشرة ( فرس النبي) خضراء مختبئة بين أوراق العريِش.
وتتسم التصاميم الكواسونية العائدة لسبعينات القرن التاسع ذات صيغة نمطية جدا بأشكال هندسية على زهريات دائرية مربوعة تكشف عن الإطار السلكي , ولكن مع حلول 1905 كانت نفس الورشة تصنع مزهريات طويلة ورفيعة ذات نوعية وبساطة مدهشة.
ويقول خليلي عن تلك الفترة , وعن تلك النوعية والإتقان انه ليس هناك بلد في العالم يستطيع أن يلمسها ولم يستطع أحد في عالمنا الحالي أن يصنع مثيلات ما أنتجه اليابانيون خلال مرحلة المايجي.
وينوي الخليلي أن يعرض مجموعته المؤلفة من 1500 قطعة يابانية يوما ما ولكنه يريد ان تتسنى للأوربيين والأمريكيين الفرصة لمشاهدتها أولا.
ويقول الخليلي , الذي يملك حوالي 22,000 قطعة من الأعمال الفنية اليابانية والإسلامية والسويدية والإسبانية : انا لا اجمع من اجل المشاركة ,إذا كانت لديك مجموعة من كل تلك المخلفات الفنية ولا تشرك الناس بها فذلك عمل تدنيسي".