المصافحة لا تكفي وحدها لإذابة الجليد المتراكم فوق صخرة علاقاتنا العربية ـ العربية .. ولا حتى ما يطفو على السطح من مصالحة يجند لها اعلامنا الكثير من المقالات او المتقولات.. وما يعطي لها من بريق يجافي الواقع والوقائع التي تحجبها الأعماق عن الأعين بعد ان اثقلتها التراكمات.. وبنت حولها الكثير من المحاذير.. والشكوك الصامتة..
لا المصافحة وحدها تحل مشكلة قائمة.. أو مشكلة نائمة تنتظر من يوقظها بحل يعطي لها العافية. ويمنحها الصواب. ولا المصالحة ايضا قادرة على ان تلعب دورها في جو مشحون بالريبة.. وعدم الثقة.. وبالتناقضات التي لم تطرح.. وحين يقدر لها ان تطرح يسدل عليها ستار من التجاهل او التأجيل حتى لا تثير غبارا يفضح الخلافات. ويؤجج نارها.. هكذا تأخذ التوترات العربية العربية رغم المؤتمرات. وما تتعرض له من مؤامرات زخمها دون وضع اليد على الدمل المتقيح في الجسد العربي.. وامرار المشرط العملي المعملي لانتزاع عوامل التقيح وأسبابه.. ومسبباته.. ندرك جميعا اننا نعبر بحر عالمنا المتغير وسط قارب واحد تتصارعه الأمواج من اعلى.. وتجتذبه الى الأسفل حيتان.. وديناصورات بشرية لم تنقرض بعد.. كل همها ان تنفخ في صور الرياح كي تفترس القابعين عليه وهم مشغولون بجدلياتهم البيزنطية.. دون ان يلتفتوا الى ما يخبأ لهم من أخطار تطالهم الواحد تلو الواحد.. نعم.. في ظل هاجس الشك والريبة.. وما ينسجه لنا اعداؤنا من شراك الفرقة والتباعد.. وما يوحون به من وساوس تزيد رقعة الخلاف اتساعا.. في هذا الظل المملوء بالقلق.. وأشباح أعداء مرسومة وموسومة ممن لا يريدون لجمعنا ان يجتمع.. ولصفنا ان يتوحد.. تبقى الحال على ما هي عليه.. لا مصارحة تكشف مواطن الخلل في الجدار العربي.. ولا مصالحة تعتمد في ثقافتها على تصحيح ذلك الخلل.. وتحد من تضخم كرة الثلج المتدحرجة المليئة بالمتناقضات.. على هذا المسار يبدو المصير في خطر.. التشرذم العربي من جانب.. والتكالب العدواني من جانب آخر.. متخذا من الفرقة.. ومن سياسة "فرق تسد" مدخلا للقضم والابتلاع واحدا واحدا حتى آخر واحد.. لماذا الخشية من ان نكون صرحاء مع بعضنا البعض.. ان نكشف سويا اوراقنا.. واهدافنا.. ومصالحنا. ومصيرنا المشترك دون مواربة او ريبة..؟! أن نعلن خلافاتنا وتخوفاتنا بحسن نية. ونزاهة قصد؟!
لماذا يتمسك كل طرف برأيه.. بمصالحه الفردية.. في حين ان هذا الرأي وتلك المصالح تجسد قاسما مشتركا أعظم للجميع بقدر ما يهب من جانب يعطي من جانب آخر في حركة تكاملية تنزع في نهايتها الى كيان عربي سياسي واقتصادي وثقافي. وعلمي واعلامي يواكب عصر الكيانات الكبيرة من حولنا.. فاعلا ومتفاعلا معها.. نحن امة تملك عراقة التاريخ.. ووحدة العقيدة.. واللغة.. والدم.. والجغرافيا.. وتملك مع كل هذا مقومات الحياة من ثروات طبيعية.. وموارد مائية ومالية.. وايد عاملة.. واراض خصبة هي سلال غلال لو انها استنبتت.. كل هذا نملكه.. وبقيت الإرادة.. ولن تتحرك الإرادة في جو مشحون بانعدام الثقة بين طرف وطرف.. وفي ظل واقع ينام على جرحه دون ان توقظه آلام ذلك الجرح وتدفع به الى العلاج كي يبرأ من سقمه..
والعلاج ان نكون صرحاء مع أنفسنا.. ومع غيرنا دون تجريح.. دون مهاترات.. دون خوف من ان نستظل بظل واحد يقينا هاجرة القيظ.. وصقيع الشتاء الذي بدأت علائم غزوه تدق بيدها ابوابنا بدءا من بوابة القدس محملة بموس حادة راحت تحلق لحية جار شقيق لنا في تحد وعنف واحتلال واذلال ولسان حالها يردد:
من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته..
ابدا لا نريد للحانا ان تحلق.. وانما لخطانا أن تحلق..