حينما تعلم ان لك عدواً واضحاً أمام عينيك، تعرفه جيداً وتحفظ تفاصيل ملامحه، ترصد حركاته وسكناته، تشتمه عن بعد وعن قرب، تقرأ ماضيه وحاضره ومستقبله. ويتيح لك الألم معه فرصة لقياس معدلات ارتفاع العداء مع مرور الزمن، تطمئن وترتاح وتستقر وتستكين، لأنك في هذا الموقع بالذات ستكون مدركا ان الطعنة التي ستخترق صدرك ستكون من يديه، وان الطعنة التي ستوجهها يداك الى صدره. هكذا تكون المسألة ذهبت الى حال استقرارها حتى ولو شاطرك هذا العدو او قاتلك الحياة كلها. لكن ان لا تعلم من هو عدوك الحقيقي، وان تضيع وتفقد في طرقات البحث عنه، ويصبح صدرك عاريا لكل من هم حولك علّ فيهم عدوك الحقيقي، او ان تفتح مدفعك القاتل على الذين تقابلهم علّ بينهم غريمك الذي تريده مضرجاً بدمائه أمام ناظريك.. فهنا تكمن مأساتك التي لا تسر عدواً ولا حبيباً. من هو عدوي الواضح؟ من الذي يبحث عني "ليكفر بي" ويطحنني تحت اقدامه؟ من هو بالضبط الذي يجب ان أتيقن اليقين البين انه غريمي، ولا أتحمل فيه ذنب الظنون والحدس الخاطيء؟ هذا ما يجب ان اعرفه جيدا؟ وهذا ما يجب ان افرغ منه الان حتى لا تختلط الوجوه علي، فأقتل الجميع بمن فيهم اهلي واحبتي وابناء جلدتي، وهذا ما يجب أن أحسم أمره منذ الآن حتى لا تهدر حياتي في البحث عن عدو اشك في انه عدوي، أو تغويني الغواية فأعتقد انه حبيبي ومبجلي والذي افتديه بروحي. من عدوي الواضح تماما؟ احتاج الاجابة الواضحة، الصريحة، والنتيجة الصارخة مهما فجعتني وحطمتني.. من الذي لا يريدني على قيد الحياة معافى بكل قوتي وإرادتي، اصرخ متى شئت، واشتم متى احتجت، واحب متى ما أحببت، أبعثر رملي، أطير هوائي، أشاغب ناري، أسير أنهاري في اتجاهات حريتي؟ من هو؟ من هم؟ سواء هو أو هم أريد أن أعرفه وأعرفهم بوضوح، لان هذا الخراب الذي يعصف بي يقتلني بالمجان، يجعلني بلا قضية، بلا موقف، بلا عزة، بلا اصرار. من هم أعداؤنا الحقيقيون؟ الذين يقتلوننا في المواجهة؟ أم أولئك الذين يندسون لنا خلف الكواليس؟ الذين يطلقون علينا الرصاص؟ أم الذين يرهنون لحمنا في أسواق "شايلوك" المرابي؟ نريد للوضوح ان يكشف العيون الصفر، نريد من الحقيقة وجودها حتى لا تتبعثر المواجهة، ونحارب طواحين الوهم مخدوعين، مضحوكاً علينا. في ساحة الحرب أعداء..خلف ساحة الحرب أعداء..تحت جلودنا أعداء!!
عن جريدة البيان