إذا كان للحروب ضحايا في أرض المعركة، من عسكريين ومدنيين، فان هناك ضحايا آخرين لهذه الحروب هم اولئك الذين يتابعون أخبارها المأساوية من خلال القنوات الفضائية والإذاعة والصحافة.. لنقل إنهم المتفرجون عن بعد.
لكنهم يتألمون لما يشاهدونه يوميا من فظاعات الحروب.. ومؤخرا نشرت احدى الصحف المحلية تحقيقا حول تأثير الحرب في العراق على المرضى المصابين بالسكر، وأجمع الأطباء على أن نسبة ارتفاع السكر زادت لدى المرضى في الأيام الأولى من الحرب في العراق بسبب متابعتهم أخبارها المأساوية من خلال أجهزة التليفزيون ونشرات الأخبار.. واضطرارهم إلى السهر طويلا في الليل، وقد نصح الأطباء مرضاهم المصابين بمرض السكر وضغط الدم بالتقليل من مشاهداتهم أخبار الحرب، وخصوصا المأساوية منها، والتحصن بالأدوية في حالة تعرضهم للأزمات الصحية. المشكلة ان هذه الضريبة يدفعها البشر في كل مكان من العالم بسبب ثورة الاتصالات واتساع رقعة الشبكات الإعلامية.
وانتشار القنوات الفضائية والأقمار الصناعية والانترنت وغيرها من أدوات ثورة الاتصالات العالمية، وقد اطلعت منذ مدة قصيرة على تقرير إعلامي دولي حول تأثير الحرب، جاء فيه: ان أجهزة الإعلام وبالتحديد المرئية منها (كالقنوات الفضائية) حين تنقل الحدث سواء أكان حربا أم كارثة إنسانية، فانها تنقله بثلاثة أضعاف قوة الحدث نفسه.. أي ان درجة تأثير الحدث على المشاهدين تكون مكررة ثلاث مرات على نفسياتهم وعقولهم.. وخصوصا مشاهد القتل والجثث ومعاناة المدنيين الأبرياء. والقنوات أصبحت تتنافس في تعذيبنا بذلك! لنأخذ مثالا على ذلك ما حدث عندنا في البحرين، فمنذ أيام قليلة تناقلت فضائيات عربية وبالتحديد (قناة الجزيرة) القطرية خبر حدوث انفجار (ضخم) في البحرين! وبالقرب من منشآت عسكرية أجنبية! وانهالت عليّ مكالمات هاتفية بالليل من قنوات كثيرة تستفسر عن عدد القتلى! وعدد الجرحى! وحجم الأضرار المادية والعمرانية والاقتصادية المترتبة على الحادث!
وطبعا قناة (الجزيرة) كالمعتاد إزاء البحرين (تريد جنازة تشبع فيها لطم)!.. وفي النهاية اتضح ان الحادث كان بسيطا جدا: أحد المتحمسين ضد الحرب أخذ سلندر غاز وأشعله في حاوية نفايات صغيرة بالجفير مما أدى الى انفجاره.. وبالنسبة الينا في البحرين أصبحت (السلندرات) للأسف جزءا من تراثنا الفلكلوري!.. لكن في النهاية كان الحادث عاديا جدا، بينما نقلته الفضائيات على انه انفجار ضخم يهز سماء البحرين! ومن جهة أخرى يمكن القول إن التركيبة الإنسانية للبشر تميل إلى التأثر بالمأساة أكثر من تأثرها بأي شيء آخر، وخصوصا أننا في الشرق نميل إلى الناحية العاطفية في التعامل مع الأحداث السياسية والعسكرية، وأعتقد أنه لهذا السبب تنتشر أيضا في لحظات الحروب والأزمات السياسية، وفي محاولة لايجاد التوازن النفسي داخل البشر، (الفكاهات) و(النكات) والطرائف، وحاليا تنتشر معظمها عن طريق (مسجات الموبايل)، وكلها حول الحرب، وأطراف الصراع، والزعامات السياسية والحكومات والجنود والأسرى، والمعارك العسكرية.. إنها محاولة (عفوية) من الانسان نفسه لايجاد توازن نفسي داخلي يخفف به عن نفسه من تأثير (المأساة) المنقولة فضائيا، على طريقة قناعي خشبة المسرح المألوفة.. أحدهما يبكي والآخر يضحك!
عن جريدة اخبار الخليج البحرينية
