بدا الرئيس الاميركي جورج بوش مكفهر الوجه وهو عائد من إجازته الأسبوعية من كامب ديفيد الأسبوع الماضى،
وكذلك ظهر وزير دفاعه رامسفيلد ووزير خارجيته شبه المختفى باول وكل الناطقين باسم البنتاغون فى واشنطن والدوحة والكويت، فقد كانوا جميعا واجمين وغاضبين ومكفهرى الوجوه بعدما ظهرت صور القتلى والأسرى الأمريكيين على شاشات التلفزة العالمية. فقد كشفت الصور حجم ما يروج عن القوة التى لا تقهر وحجم الانتصارات التى تتحقق دون خسائر وتصريحات السيطرة على العراق خلال ساعات، ونسى الناس كل الكلام الذى تم الترويج له، وبقيت هناك الصورة.. صور القتلى وصورالأسرى وهم خائفون مذعورون، وتذكر الأميركيون هنا فقط اتفاقية جنيف، و حقوق الأسرى وهددت وسائل الاعلام التى يمكن أن تنقل الصور، بأنها يمكن أن تقاضى، وأنها تخالف المواثيق الدولية.
وباستثناء بعض وسائل الاعلام الاميركية المحلية فقد أحجمت معظم الشبكات التليفزيونية هناك عن بث الصور وكذلك معظم الصحف، لكن شبكات التلفزة فى كثير من الدول الأوروبية ودول العالم المختلفة بثت الصور، أما المتحدثون الرسميون الذين كانوا يصولون ويجولون بتصريحاتهم، فقد صبوا جام غضبهم على وسائل الاعلام التى بثت الصور بدلا من الحديث عن الحقائق عما يحدث على ساحة المعركة، وبدا أن الضربة الأولى للغطرسة الأميركية كانت فى بث تلك الصور التى بثت الرعب فى نفوس مائتين وخمسين ألف عائلة اميركية لها مقاتلون يشاركون فى الحرب كما هزت أركان الادارة الاميركية الذين ظهروا مصدومين أمام شاشات التلفزة.
وقد أثبتت هذه الصور أن المعارك الكبرى لم تعد تعتمد فى العصر الحديث على الآلة العسكرية وحدها، والقوة والدعاية، وإنما أثبتت الصورة أنها ربما تكون أمضى من قوة السلاح فى التأثير على سير المعارك وعلى تأليب الرأى العام من المؤتمرات الصحفية وتقارير المحللين والاذاعات الموجهة والدعاية إنها الصورة التى تقدم الحقيقة وتكشف الأكاذيب،وتغير خطط الحروب.
ولذلك سعت الولايات المتحدة من البداية للسيطرة على الصورة التى سوف تصل إلى الناس عن المعركة من خلال وسائل عديدة من أبرزها استضافة أكثر من خمسائة صحفى ليكونوا مرافقين مع القوات الاميركية التى ستدخل من الكويت أو على ظهر البوارج الحربية كتب عنهم جوناثان آلتر تقريرا مفصلا فى عدد 11 مارس من مجلة "نيوزويك" الاميركية تحت عنوان "الشراكة بين الاعلام والبتناجون"، وهؤلاء كما نراهم اليوم لا يبثون إلا ما تسمح لهم القوات المرافقة ببثه، ورغم أن ثمانين فى المائة منهم من الأميركيين إلا أنهم جميعا تحولوا تقريبا إلى ناطقين باسم القوات التى يرافقونها حتى أنهم يطلقون على العراقيين لقب "الأعداء" وذلك من خلال تقاريرهم التى تبثها أو تنشرها المؤسسات التى يعملون بها مما يخرجهم من دائرة الموضوعية أو المهنية ليصبحوا أبواقا ومقاتلين وراء الكاميرا أو القلم مع القوات التى يتحركون معها، وعلاوة على هؤلاء هناك ما يقرب من ستمائة صحفي آخرين معتمدين لدى القوات الاميركية فى قاعدة السيلية فى قطر يترقبون أى تصريح يصدر عن المسئولين العسكريين الذين أصابوا معظم الصحفيين بالأحباط بعدما أبقوهم عدة أيام دون تصريحات، ثم ظهروا عليهم بتصريحات لا ترقى لمستوى ما كانوا يطمحون إليه.
أما الذين كانو فى بغداد فقد مورست عليهم كافة وسائل التأثير والحرب النفسية حتى يخرجوا من بغداد قبيل الحرب، حتى أن الرئيس بوش نفسه وجه لهم تحذيرا حتى يخرجوا فخرج معظهم بالفعل ولم يبق هناك إلا القليل، كما أن هناك أكثر من ثلاثمائة صحفى رفضوا الدخول مع القوات الاميركية ودخلوا على مسئوليتهم قتل منهم اثنان وفقد اثنان حتى الآن وتعرض خمسة وعشرون آخرون لمخاطر وقد تحدثت إلى بعضهم فى الكويت ورووا لي كيف أن القوات الاميركية ترهبهم طوال الوقت حتى لا ينقلوا إلا الصورة التى تريدها أميركا.
ورغم نجاح الأميركيين فى السيطرة على الصورة التى يراها العالم طوال السنوات الماضية، إلا أن كثيرا من وسائل الأعلام الأوروبية بل والعالمية أصبحت تتعامل الآن بشك وريبة مع ما تبثه وسائل الاعلام الأميركية، وأصبحت الصورة التى تبثها قنوات فضائية عربية مثل الجزيرة وأبوظبى والعربية تتصدر شاشات معظم شبكات التلفزة العالمية بما فيها الاميركية من خلال تفردها بالصورة التى لاترى إلا من خلالها فأصبح العالم يشاهد الصورة الآن بعيون عربية أزعجت دون شك الأميركيين، وجعلتهم يستخدمون وسائل بعضها يمكن أن يصل إلى أعلى مستويات البذاءة حتى لاتهزمهم الصورة فى النهاية، الصورة.. التى أصبحت بحق الجانب الأقوى فى المعركة. كاتب واعلامي من اسرة البيان الاماراتية