حكيم بني أمية: خالد بن يزيد بن معاوية "6"
لقد اهتم خالد بن يزيد بن معاوية إهتماما بالغا ببعض فروع المعرفة, كالكيمياء, والطب, والفلك. فأما اهتمامه بعلم الطب فلحاجة الشعب له, لانه يخوض ويعالج بعض الأمراض التي تصيب افراد الشعب الاسلامي, فهذا الموضوع من اهم الموضوعات التي اعتنى بها علماء العرب والمسلمين الذين اتوا بعد خالد بن يزيد. أما علم الكيمياء فهو العلم الوحيد الذي كان الاعتقاد بين الناس سائدا انه يمكن بواسطته تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وفضة. وكذلك يمكن صنع الادوية المختلفة باستعمال النظريات الكيميائية, وهذه بطبيعة الحال حقيقة علمية خدمت علم الطب عبر القرون. واخيرا اهتم بعلم الفلك لان العرب عرفوا بالتجارة, والرحلات إلى جميع انحاء العالم, لذا يحتاجون إلى الالمام بحركة النجوم.
يقول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين (خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا, وجيد الرأي اديبا كثير الأدب حكيما, وكان أول من اعطى التراجمة والفلاسفة, وقرب اهل الحكمة ورؤساء أهل كل صناعة, وترجم كتب النجوم, والطب, والكيمياء, والحروب, والادب, والآلات والصناعات).
كان الوعي منتشرا بين العرب والمسلمين في أيام خالد بن يزيد بن معاوية, لذا حافظوا على المؤسسات العلمية في البلاد التي فتحوها, ولقد استمرت مدرسة الاسكندرية المشهورة بنشر العلم بين افراد المجتمع, فاستقدم خالد بن يزيد عددا كبيرا من علمائها الى بلاد الشام, فتتلمذ عليهم وترجموا عددا كبيرا من الكتب من اللغة السريانية الى اللغة العربية, وبنوا المكتبات التي كانت تحتوي على مؤلفات متنوعة في اللغات المختلفة من بينها اليونانية والسريانية والفارسية والتي ترجم معظمها الى اللغة العربية, وخاصة المؤلفات التي لها علاقة مباشرة بعلم الكيمياء.
يقول سعيد الديوه جي في كتابه خالد بن يزيد كانت صناعة الكيمياء رائجة في مدرسة الاسكندرية, فاستعان خالد بعلماء هذه المدرسة, واستقدمهم الى الشام, وبذل لهم العطايا الكثيرة ليترجموا له الكتب, ومن هؤلاء راهب اسمه مريانوس, طلب منه ان يعلمه صناعة الكيمياء, ولما تعلمها أمر بنقل الكتب التي يبحث عنها الى العربية. فنقلها له راهب آخر اسمه اسطيفانوس, وكان مولعا بالنجوم, ونقلت له الكتب التي تبحث عنها. ويظهر لنا انه لم يكن يكتفي بدراسة هذا العلم دراسة نظرية, ويقنع بالأقوال دون التطبيق, بل انه كان يحاول ان يطبق ما يقرأ. تذاكروا الماء بحضرة عبدالملك بن مروان بن الحكم فقال خالد: (إن شئت اعذبت لكم ماء البحر) فأتى بقلالي من ماء ثم وصف كيف يصنع به حتى يعذب.