مرأى القتلى من الجماعات الإسلامية في شمال العراق، وكذلك مرأى الأطفال والنساء والرجال في مستشفيات بغداد من ضحايا العدوان الأمريكي البريطاني.. مناظر تنفطر لها القلوب، وتهز مشاعر محبي السلام أينما كانوا، لكن لا أحد يملك غير الأسف، وهو يرى العراقيين بين سندان السلطة ومطرقة الحرب. سلطة يمثلها حاكم متغطرس، وحرب يقودها رئيس مستكبر، وبحجة محاربة الإرهاب، يمارس الإرهاب على رؤوس الأشهاد رغم اعتراض كل الدول والشعوب المحبة للسلام، والحكومات التي رفضت الانسياق وراء هذا الجنون الأمريكي- البريطاني الذي تجني ثماره تل أبيب، ويتيح لشارون ارتكاب المزيد من المذابح والتدمير وتجريف المباني والمزارع والتنكيل بأبناء الأراضي الفلسطينية المحتلة. لا أحد يتعاطف مع حاكم العراق وزبانيته، لكن لا أحد يستجير من الرمضاء بالنار، فاحتلال الأراضي والتحكم في مقدرات الشعوب، والسطو على ثرواتها الطبيعية، وحرمانها من تقرير مصيرها.. كل ذلك مرفوض في الأعراف والقوانين الدولية، بل وبالمقاييس الإنسانية البحتة، حتى لا يعود العالم إلى منطق الغابة الذي يتيح للقوي أكل الضعيف، وهو منطق يعود بالإنسان إلى عصور سحيقة في القدم، ويلغي كل مظاهر حضارة الإنسان وقيمه ومبادئه الإنسانية، وأنظمته وقوانينه الدولية. ومعاني تحضره ورقيه. ما يحدث في العراق مأساة إنسانية كان يمكن تلافيها، وإنقاذ العراقيين من ويلاتها، وإنقاذ المنطقة من تبعاتها، لكن لاصدام ولا بوش يعرفان طريق الحكمة، والشعوب وحدها هي التي تدفع ثمن جنون حكامها. فالدماء العراقية أو الأمريكية كان يمكن حقنها لو لجأت الأطراف المعنية إلى الحكمة، فويلات الحرب لا يمكن قبولها مهما كانت الأسباب والتبريرات، وإذا كان حكم صدام عذابا لا ينتهي، فإن وعود بوش سراب لا حقيقة له، فالوعود بالديمقراطية والرخاء شعارات ستكون أمريكا أول من يضرب بها عرض الحائط، وما تجربة أفغانستان ببعيدة عن الأذهان، وهكذا كان الحال في الصومال. إن الليالي والأيام القادمة تبدو حبلى بالحوادث الجسام، فأين عقلاء العالم من هذا الجنون المتفاقم؟. أما آن لهذا العالم أن يتخلص من أمثال صدام وبوش وشارون؟..