ـ رياض.
ـ نعم.
ـ ما الوقت الضائع؟
ـ هو الوقت الذي نقضيه أمام الإشارة الحمراء.
ابني رياض, حين طرح تلك الإجابة, كان ساخرا. وهي العادة التي جرى عليها في صنع عناق حميم بين الجد والهزل, مع القدرة الهائلة على جعل ظل العود الأعوج ظلا مستقيما.
وقف ذهني أمام الإشارة الحمراء اللغوية التي تركها رياض أمامي لا الإشارة المرورية, ورحت أفكر في معنى الإشارة الحمراء, وقبل ذلك ـ وهو الأهم ـ في معنى الوقت الضائع.
هناك من شبه الوقت بالعملة النقدية. ونحن نعرف ان تصرف البشر بالعملة النقدية يختلف باختلاف طبائع البشر وعاداتهم: فهناك المسرف او المبذر, وهناك البخيل, وهناك المعتدل الذي يعرف أين يضع نقوده؟, وهناك وهناك.. ولكن الوقت أشد خفاء من النقد وأثمن منه. ان الوقت هو عمر الإنسان. ومن يتصرف به تصرفا أرعن يكون كمن يبدد عمره تبديدا.
الوقت عندنا لا أحد يهتم به, بل لا أحد يعرفه كقيمة من القيم الكبرى في الحياة. اننا نبدده لأننا لا نعرفه. كل ثقافتنا تقول ذلك.
لقد عرفنا الوقت كقيمة عليا من ثقافة أخرى. هي الثقافة الغربية بالتحديد التي علمتنا معنى (الفراغ) وخطره على الجسم والروح. وعلمتنا معنى المراحل (العمرية) في حياة الفرد.
ان ثقافتنا المتوارثة لم تحدد ـ مثلا ـ معنى (الطفولة) وما الذي يجب على الأسرة ومن ثم المدرسة تجاهها, وكذلك هي بقايا المراحل العمرية.
الوقت الضائع هو الوقت الذي نستطيع ان نقضيه بشكل أفضل مما قضيناه سواء في مقاعد الدراسة او في البيت او حتى مواعيد الغزل. ولكن هل يمكن ان يتحقق ذلك للفرد وحده اذا كانت ثقافة المجتمع كله قائمة على التفريط في الوقت؟
معظم وقتنا وقت ضائع. وهنا يأتي السؤال: من المسؤول عن (استمرار) هذا الضياع؟ فهل تستطيع ان تجيب؟